للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومن الأدلة على أهمية النساء أيام نضارة حضارة العرب كثرَةُ من اشتهر منهن بمعارفهن العلمية والأدبية، فقد ذاع صيتُ عددٍ غير قليل منهن في العصر العباسي في المشرق والعصر الأموي في إسبانية، ونذكر منهنَّ بنتَ أحد الخلفاء، الذي كان جالساً على عرش الخلافة سنة ٨٦٠ (! ) ولَّادَة التي لُقِّبت بسافو قرطبة، وقال كونده مُلخِّصاً ما ذكره مؤرخو عبد الرحمن الثالث:

كان عبد الرحمن الثالث، وهو يتمتع بأطايب مدينة الزهراء، يحبُّ أن يستمع إلى أغاني جاريته وأمينة سِرَّه العذبة مُزْنَةَ وإلى فتاة قرطبة الكريمة عائشة، التي روى ابن حيان أنها كانت أعقل بنات عصرها وأجملهنَّ وأعلمهن، وإلى صفية التي كانت شاعرةً باهرة الجمال ... »، وأضاف مؤرخو الحكم الثاني إلى ذلك قولَهم: «إن نساء ذلك الزمن ــ الذي كان للعلم والأدب شأنٌ عظيم فيه ببلاد الأندلس ــ كنَّ مُحبَّات للدرس في خُدُورهن، وكان الكثير منهن يتميَّزن بدماثتهن ومعارفهن، وكان قصر الخليفة يضمُّ لُبنى، أي هذه الفتاة الجميلة العالمة بالنحو والشعر والحساب وسائر العلوم والكاتبة البارعة التي كان الخليفة يعتمد عليها في كتابة رسائله الخاصة، والتي لم يكن في القصر مثلها دقةَ تفكيرٍ وعذوبةَ قريضٍ، وكانت فاطمة تكتب بإتقان نادر، وتنسخ كتباً للخليفة، ويُعجب جميع العلماء برسائلها، وتَملك مجموعة ثمينة من كتب الفن والعلوم، وكانت خديجة تَنْظِم الأبياتَ الرائعة وتُنشِدها بصوتها الساحر، وكانت مريم تعلِّم بنات الأسُر الراقية في إشبيلية العلمَ والشعر مع شهرةٍ عظيمة فتخرَّجت في مدرستها نساءٌ بارعات كثيرات، وكانت راضية، المعروفة بالكوكب السعيد والتي حَرَّرها الخليفة عبد الرحمن وتَنَزَّلَ عنها لابنه الحكم، نابغة عصرها في القريض ووضع القصص الرائعة فساحت في الشرق بعد موت الخليفة، وكانت محلَّ هُتاف العلماء في كل مكان.

وخَبَت حضارة قدماء الخلفاء الساطعة في عهد وارثي العرب، ولا سيما في عهد الترك، فنقص شأن النساء كثيراً، وسَأبُيِّن في مكان آخر أن حالتهن الحاضرة أفضل من حالة أخواتهن في أوربة حتى عند الترك، وما تقدم يُثْبِت أن نقصان شأنهن حدث خلافاً للقرآن، لا بسبب القرآن على كل حال.

<<  <   >  >>