يجتمع في المضرب أناس؛ ليكتبوا شهادة عن وصفه واسم أمه ونسبها، ويمضوها ويضعوها في كُيَيْسٍ جلدي يُربط بنحره، فيدخل بذلك في زمرة الجياد المرموقة التي أدى الطمع فيها إلى اقتتال القبائل غير مرة.
وسرعة عدو الفرس هي التي تنقذ حياة المقاتل في الصحراء غالباً، ومما رواه بُركهارد أن فرساناً من الدروز هجموا في سنة ١٨١٥ على عصابة من الأعراب في حوران، ودحروها إلى مضاربها، وأحاطوا بها من كل جانب، وأنه لم ينجُ من القتل منها سوى رجل واحد امتطى صهوة جواده، وخرق خط الحصار، وولى مدبراً ولم يُعقَّب، وأن أحسن فرسانهم، وهم القُساة الذين أقسموا أن يقتلوا العصابة على بكرة أبيها جدَّوا في أثره، وأن ذلك المنهزم لم يترك صخوراً وسهولاً وتلالاً إلا قطعها بسرعة الزوبعة، فلما أيقن أولئك الفرسان، بعد مطاردةٍ عنيفة دامت عدة ساعات، وأنه لا أمل لهم في قتله ناشدوه أن يقف؛ ليقبَّلوا ناصية جواده الأصيل ويتركوه، فرَضِيَ بذلك، فقالوا له لما صَرَفوه كلمتهم المأثورة:«اغسل حوافر جوادك، ثم اشرب غُسالتها»، قاصدين بذلك إظهار مشاعرهم نحو جواده النجيب.
وأضيف إلى ما تقدم قولي: إن الخيول العربية لا تعرف سوى مشيتين: الخطاء والعدو، وإن انقيادها لصاحبها جديرٌ بالذكر، وما أكثر ما رأيتُ العرب يترجَّلون، وخيولهم لا تحاول الابتعاد عنهم، مع تركهم أعِنَّتها لها!
وعلى ما في الخيل من فائدة لا تتوالد كثيراً في جزيرة العرب خلافاً لما يُظنُّ، وسببُ ذلك: أن الخيل، وهي على عكس الجمل الذي يمكن تربيته في كلَّ مكان، لا تُنشَّأ إلا في البقاع الخصبة، كسهول العراق وسورية، ونجد، وفي نجد وحدها أغزُّ الخيول العربية وأرشقها.
وعُرفت جزيرة العرب في القرون القديمة بوفر معادنها الثمينة وأحجارها الكريمة، واليوم لم يبقَ أثر لذلك، ولا نعلمُ غير ما يُقصُّ علينا من الأنباء عن حديدها ونحاسها، ومع ذلك فإننا لا نستطيع أن نبدي رأيُاً قاطعاً في ثروة جزيرة العرب المعدنية، فمعارفنا بها سطحية.
وظلت صناعة قسم من جزيرة العرب وتجارته على ما كانت عليه من القرون الخالية، وتُعَدُّ الحليُّ اليمنية والتمور والخيل والنَّيلج والسنا المكي واللبان والمر الصافي ... إلخ، أهم مواد الإصدار من جزيرة العرب، ولا تزال القوافل تقوم، كما في