والعراق الدنيا، وجافَّةٌ في سورية وجبال بلاد البربر، وأعظم فَرْقٍ، كما أعلم، هو ما بين لهجة المغاربة في مراكش ولهجة الأعراب بالقرب من مكة في الحجاز، ولكن هذا الفَرق بين تَيْنِك اللهجتين لا يزيد على اختلاف لَهْجَة فلاحي سوآب (جَنوب ألمانية) عن لهجة فلاحي سكسونية (شمال ألمانية).
شكل ٢ - ١: دواة على الطراز الفارسي العربي مصنوعة من النحاس المكفت بالفضة (من
صورة فوتوغرافية التقطها المؤلف).
ولم تتحوَّل اللغة العربية، إذن، إلا قليلًا منذ زمن مُحَمَّد، ولكنه طرأ تغييرٌ كبير على الخط، فالخط الأول المعروف بالخط الكوفي، الذي رُوِي أنه اختُرع في مدينة الكوفة، كان صَعبَ القراءة لخلوِّه من حروف العلة، فتحوَّل هذا الخط حوالي القرن الثامن من الميلاد بإدخال أصول الشكل والحركات إليه مع المواظبة على استعمال الخط الكوفي في الكتابات، فجَعَلَ هذا من العسير كثيراً أن يُستدل على قِدَم هذه الكتابات مما عليها من الحروف المنقوشة.
وما قلناه في فصل آخر عن الدين نقول مثله عن اللغة العربية، فمع أن الفاتحين الذين ظهروا قبل العرب لم يستطيعوا أن يَفْرِضوا على الأمم المغلوبة لغاتِهم قَدَرَ العربُ، بالعكس، على فَرض لغتهم عليهم، ولما صارت اللغة العربية عامةً في جميع البلاد التي استولَوا عليها حلَّت محلَّ ما كان فيها من اللغات، كالسريانية واليونانية والقبطية والبربرية ... إلخ، وكان للغة العرب مثل ذلك الحظ زمناً طويلاً، حتى في بلاد فارس على الرغم من يقظة الفرس، أي ظلت اللغة العربية في بلاد فارسَ لغةَ أهل الأدب والعلم، وظل الفرس يكتبون لغتهم بالحروف العربية، وكُتِب ما عرفته بلاد فارس من علم الكلام والعلوم الأخرى بلغة العرب، وللغة العربية في هذا الجزء من آسية شأنٌ كالذي كان للغة اللاتينية في القرون الوسطى، وانتحل الترك أنفسُهم، وهم الذين قهروا العرب،