وخريطة الإدريسي التي نَشَرْتُ صورتها، والتي اشتملت على منابع النيل والبحيرات الاستوائية الكبيرة، أي على هذه الأماكن التي لم يكتشفها الأوربيون إلا في العصر الحاضر، أكثرُ خرائطه طرافة، فهي تثبت أن معارف العرب في جغرافية إفريقية أعظمُ مما ظُنَّ زمناً طويلاً.
وأَذكر من جغرافيي العرب القزويني وياقوتاً الحموي اللذين عاشا في القرن الثالث عشر من الميلاد، وأن كتاب هذا الأخير مُعجَمٌ جغرافيٌّ حافلٌ بوثائقَ عن جميع البلدان التي تتألف منها دولة الخلافة.
وعُرف صاحبُ حماة، وأبو الفداء (١٢٧١ م-١٣٣١ م)، بأنه من علماء الجغرافية أيضاً، ولكنه لم يصنع غيرَ تلخيص كتب أخرى، وقُلْ مثل هذا عن المقريزي والحسن.
ويحتاج إحصاء أهم جغرافيي العرب وما ألفوا من الكتب إلى بيان طويل، فقد ذكر أبو الفداء وحده أسماء ستين عالماً جغرافياً من الذين ظهروا قبله، وتكفي الخلاصة السابقة لإثبات شأنهم مع ذلك، ولولا إصرار الأوربيين الخاص على مُبْتَسراتهم الموروثة، التي لا تزال باقية، حِيالَ الإسلام؛ لتعذر إيضاح السبب في إنكار علماء أفاضل في الجغرافية، كمسيو فيفيان دو سان مارتن، لذلك الشأن، ومع ذلك يكفي ما أتى به العرب من عملٍ كبير لإثبات قيمتهم، فالعرب هم الذين انتَهَوا إلى معارف فلكية مضبوطة من الناحية العلمية عُدَّت أول أساسٍ للخرائط، فصححوا أغاليط اليونان العظيمة في المواضع، والعرب، من ناحية الرِّياد، هم الذين نشروا رحلاتٍ عن بقاع العالم التي كان يشكُّ الأوربيون في وجودها، فضلاً عن عدم وصولهم إليها، والعرب، من ناحية الأدب الجغرافي، هم الذين نشروا كتباً قامت مقام الكتب التي ألُّفت قبلها؛ فاقتصرت أمم الغرب على استنساخها قروناً كثيرة.