واتَّخذ المسجد الحرام المكي مثالاً في إنشاء كثير من مساجد سورية على الخصوص، ورأيتُ في دمشق مساجد كثيرةً مبنية على طراز الحرم المكي، وتختلف مساجد القاهرة عنها بشكل مآذنها ودقائق زخارفها بعض الاختلاف.
ويقع المعبد الصغير، الكعبة، في باحة الحرم المكي، والكعبة بناءٌ مكعبٌ ذو حجارة سُمر، ويبلغ ارتفاعها أربعين قدماً وطولها ثماني عشرة قدماً وعرضُها أربع عشرة قدماً على حسب رواية بركهارد، وليس للكعبة سوى باب واحد يرتفع عن الأرض سبع أقدام، ولا يُوصل إليه إلا بسلَّم مُتنقل ينصبونه في موسم الحج، ويتألف داخل الكعبة من حجرة واسعة مُبلَّطة بالرخام، ومنارةٍ بمصابيح مصنوعةٍ من الإبريز ومزخرفةٍ بالكتابات.
وداخل الكعبة غنيٌ بزخارفه في كل زمن، ومن أقدم ما وصف به هو ما جاء في رحلة ناصر خسرو المفيدة التي قام بها في سورية وفلسطين وجزيرة العرب ... إلخ. (١٠٣٥ م- ١٠٤٢ م)، والتي نشرها حديثاً مديرُ اللغات الشرقية العالم، مسيو شيفر، قال ناصر خسرو:
ي غطي جُدُر الكعبة رُخامٌ من شتى الألوان، وتُسَّمر بجدارها من الناحية الغربية ستة محاريب فضية طويلة بمقدار قامة الرجل مُكفَّتةً بالذهب واللجين المرقَّش باللون الأسود، ويبلغ ارتفاع الجُدرُ في البدء أربعة سواعد من الأرض، فإذا عدوت هذا الارتفاع وجدت ما فوقه حتى السقف مستوراً بصفائح من الرخام المزين بالزخارف العربية وبالنقوش المذهب معظمها.
والحجر الأسود الأشهر مُدمَّجٌ في أجد جُدُر الكعبة الخارجية، ولا يزيد قطر الحجر الأسود، وهو الذي يقول العرب إن الملائكة أتوا به من الجنة؛ ليكون موْطئاً لإبراهيم حين بنائه البيت الحرام، على سبعة قراريط، ولا نعلم شيئاً كرَّمه الناس زمناً طويلاً كالحجر الأسود الذي كان موضع احترام وتبجيل قبل ظهور محمد بقرون كثيرة.
وتُكسى الكعبة في كل سنة كسوةً سوداء تسترها كلها عدا موضع الحجر الأسود وبضع أقدام من أسفلها، ويُعصَب أعلى الكعبة، في أوائل مواسم الحج، بنطاق موشَّى بآيات قرآنية مكتوبة بحروف من ذهب.
ويقوم في ساحة المسجد الحرام، أيضاً، بناءٌ مربع ساترٌ لينبوعٍ، تقول القصة: إن ملكاً فجَّره حين حَجَبَتْ هاجر وجهها لكيلا ترى -وهي هائمةٌ على وجهها في البادية- ولدها إسماعيل يموت عطشاً.