زخارفه، ويكتسب جامع قرطبة بهذا طابعاً باديَ الإبداع يتميز به من أي بناء بيزنطي، وما قضت به الحال عند صنعه، أي ضرورة تنضيد ما كان عند القوم آنئذ من العَمَد لينال به عُلواً مناسباً لعَرضه، أكسب صحونه منظراً لا تجده في أي بناء سابق، ومن تَجَلِّي ذوق العرب الفني في شَيْده طريقتُهم في تركيب أقواسه لستر ذلك التنضيد، فعلى من يَعْزو مثل هذا الذوق الفني البديع الرفيع إلى البيزنطيين أن يدلنا على مبانٍ أخرى استعملوا فيها هذه الطريقة.
وتخلَّص عرب الأندلس من المؤثرات الفنية البيزنطية بسرعة كالتي تخلَّص بها عرب مصر، ولم تلبث النقوش العربية والمتدليات أن قامت مقام الزخارف البيزنطية على أساس ذهبي، ولم تلبث الحنايا أن تحوَّلت إلى أقواس مصنوعة على رسم البيكارين ومنقوشة نقشًا لطيفًا.
ومباني العرب في طليطلة أقدمُ آثارهم في الأندلس خلا ما في قرطبة، وفي طليطلة آثارٌ عربيةٌ مهمة كباب بيزغرة (باب شقرة) الذي بدئ بإنشائه في القرن التاسع من الميلاد وباب الشمس الذي أنشئ في القرن الحادي عشر من الميلاد ... إلخ، ويمكن الباحث في طليطلة أن يتبين بعض مراحل تطور الفن العربي.
وهدمت مآذن المساجد القويمة في الأندلس، ولم يبق منها سوى برج لاجيرالدة (لعبة الهواء) الذي أقيم في أشبيلية في القرن الثاني عشر من الميلاد، ويمكننا أن نذهب إلى أنها كانت مُربعة الشكل كالمآذن التي أنُشئت في إفريقية، وإنني أستند في رأيي هذا إلى ما في بروج كنائس طليطلة التي لا تزال قائمةً من التقليد لمآذن العرب في الشكل والفروع الجوهرية، ويمكننا أن نذهب إلى ما هو أبعد من هذا فنقول: إن الأندلس لم تَعرِف مآذن مشابهةً لمآذن القاهرة، ولو عرفوها لكان النصارى قد قلَّدوها أيضاً.
وكلما كانت إقامة العرب بإسبانية تطول زاد فنُّ بنائهم غِنًى وزخرفًا، ولسرعان ما تحرر هذا الفن من كل مؤثر أجنبي، ولسرعان ما غابت الزخارف البيزنطية، ولا سيما الفسيفساء على أساسٍ ذهبي، تاركةً المجالَ لطرازٍ جديد في الزينة، فكان القصر في أشبيلية والحمراء في غرناطة بناءين وصل فنُّ العمارة بهما إلى أسطع أدواره.
وبدئ ببناء القصر في أشبيلية في القرن الحادي عشر من الميلاد، ثم صُلِّح في القرن الثاني عشر والقرن الثالث عشر من الميلاد، وذلك عدا ترميمه في زمن شارلكن وزمن فليب الثاني والزمن الحاضر، وأنُشئت وجهته في القرن الثالث عشر من الميلاد، ويعد بهو الدمى وبهو السفراء وغيرُهما من أقسامه آثارا قديمة جداً.