من قصة أحد علماء الكلام العرب الذي كان يحضر ببغداد دروساً كثيرة في الفلسفة يشترك فيها أناس من اليهود والزنادقة والمجوس والمسلمين والنصارى ... إلخ، فيستمع إلى كل واحد منهم باحترام عظيم، ولا يُطلَب منه إلا أن يستند إلى الأدلة الصادرة عن العقل، لا إلى الأدلة المأخوذة من أي كتاب ديني كان، فتسامح مثل هذا هو مما لم تصل إليه أوربة بعد ما قامت به في أكثر من ألف سنة من الحروب الطاحنة، وما عانته من الأحقاد المتأصلة، وما مُنِيَت به من المذابح الدامية.
وإذا كان تأثير العرب عظيماً في نواحي أوربة التي لم يسيطروا عليها إلا بمؤلفاتهم، أبصرنا أنه كان أعظم من هذا في البلاد التي خَضَعَت لسلطانهم كبلاد إسبانية التي نرى أن أفضل وسيلة لتقدير تأثير العرب فيها تقديراً قاطعاً، هو أن ننظر إلى حالتها التي كانت عليها قبل فتحهم إياها، وفي أثناء سيادتهم لها، وبعد إجلائهم عنها؛ فأما حالها قبل الفتح العربي وفي أيام سلطتهم: فقد بحثنا فيها، وذكرنا درجة السعادة التي تمت لها في زمن دولتهم. وأما حالها بعد العرب: فقد تكلمنا عنها