الحقيقة بمنزلة عشائه إلاَّ أنّه يؤخّره , لأنّ الصّائم له في اليوم والليلة أكلةٌ فإذا أكلها السّحرَ كان قد نقلها من أوّل الليل إلى آخره. وكان أخفّ لجسمه في قيام الليل.
ولا يخفى أنّ محل ذلك ما لَم يشقّ على الصّائم وإلا فلا يكون قربةً.
وانفصل أكثر الشّافعيّة عن ذلك: بأنّ الإمساك إلى السّحر ليس وصالاً , بل الوصال أن يمسك في الليل جميعه كما يمسك في النّهار، وإنّما أطلق على الإمساك إلى السّحر وصالاً لمشابهته الوصال في الصّورة، ويحتاج إلى ثبوت الدّعوى بأنّ الوصال إنّما هو حقيقةٌ في إمساك جميع الليل.
وقد ورد أنّ النّبيّ - صلى الله عليه وسلم - كان يواصل من سحرٍ إلى سحرٍ. أخرجه أحمد وعبد الرّزّاق من حديث عليٍّ، والطّبرانيّ من حديث جابر، وأخرجه سعيد بن منصور مرسلاً من طريق ابن أبي نجيحٍ عن أبيه ومن طريق أبي قلابة، وأخرجه عبد الرّزّاق من طريق عطاء.
واحتجّوا للتّحريم بقوله في الحديث المتقدّم " إذا أقبل الليل من هاهنا , وأدبر النّهار من هاهنا. فقد أفطر الصّائم " إذ لَم يجعل الليل محلاًّ لسوى الفطر. فالصّوم فيه مخالفةٌ لوضعه كيوم الفطر.
وأجابوا أيضاً: بأنّ قوله " رحمةً لهم " لا يمنع التّحريم. فإنّ من رحمته لهم أن حرّمه عليهم.
وأمّا مواصلته بهم بعد نهيه فلم يكن تقريراً بل تقريعاً وتنكيلاً، فاحتمل منهم ذلك لأجل مصلحة النّهي في أكيد زجرهم، لأنّهم إذا