باشروا ظهرت لهم حكمة النّهي , وكان ذلك أدعى إلى قلوبهم لِمَا يترتّب عليهم من الملل في العبادة والتّقصير فيما هو أهمّ منه وأرجح من وظائف الصّلاة والقراءة وغير ذلك، والجوع الشّديد ينافي ذلك.
وقد صرّح بأنّ الوصال يختصّ به لقوله " لست في ذلك مثلكم " وقوله " لست كهيئتكم " هذا مع ما انضمّ إلى ذلك من استحباب تعجيل الفطر كما تقدّم في بابه (١).
قلت: ويدلّ على أنّه ليس بمحرّمٍ حديث أبي داود من طريق عبد الرّحمن ابن أبي ليلى عن رجُلٍ من الصّحابة قال: نهى النّبيّ - صلى الله عليه وسلم - عن الحجامة والمواصلة , ولَم يحرّمهما إبقاءً على أصحابه " وإسناده صحيحٌ، فإنّ الصّحابيّ صرّح فيه بأنّه - صلى الله عليه وسلم - لَم يحرّم الوصال.
وروى البزّار والطّبرانيّ من حديث سمرة: نهى النّبيّ - صلى الله عليه وسلم - عن الوصال، وليس بالعزيمة.
وأمّا ما رواه الطّبرانيّ في " الأوسط " من حديث أبي ذرٍّ , أنّ جبريل قال للنّبيّ - صلى الله عليه وسلم -: إنّ الله قد قَبِلَ وصالك , ولا يحلّ لأحدٍ بعدك. فليس إسناده بصحيحٍ. فلا حجّة فيه.
ومن أدلة الجواز. إقدام الصّحابة على الوصال بعد النّهي , فدلَّ على أنّهم فهموا أنّ النّهي للتّنزيه لا للتّحريم , وإلا لَمَا أقدموا عليه.
ويؤيّد أنّه ليس بمحرّمٍ أيضاً حديث بشير بن الخصاصية. أخرجه أحمد والطّبرانيّ وسعيد بن منصور وعبد بن حميدٍ وابن أبي حاتم في "
(١) أي: في حديث سهل بن سعد - رضي الله عنه - الماضي برقم (١٩٧).