والغالب أنّ لقطة مكّة ييأس ملتقطها من صاحبها، وصاحبها من وجدانها لتفرّق الخلق إلى الآفاق البعيدة، فربّما داخل الملتقط الطّمع في تملّكها من أوّل وهلةٍ فلا يعرّفها , فنهى الشّارع عن ذلك وأمر أن لا يأخذها إلاَّ من عرّفها، وفارقت في ذلك لقطة العسكر ببلاد الحرب بعد تفرّقهم فإنّها لا تعرّف في غيرهم باتّفاق، بخلاف لقطة مكّة فيشرع تعريفها لإمكان عود أهل أفق صاحب اللّقطة إلى مكّة فيحصل متوصّل إلى معرفة صاحبها.
وقال إسحاق بن راهويه: قوله: " إلاَّ لمنشد " أي: لمن سمع ناشداً يقول: مَن رأى لي كذا؟ فحينئذ يجوز لواجد اللّقطة أن يعرّفها ليردّها على صاحبها. وهو أضيق من قول الجمهور , لأنّه قيّده بحالةٍ للمعرّف دون حالة.
وقيل: المراد بالمنشد الطّالب. حكاه أبو عبيد , وتعقّبه: بأنّه لا يجوز في اللّغة تسمية الطّالب منشداً.
قلت: ويكفي في ردّ ذلك قوله في حديث ابن عبّاس " لا يلتقط لقطتها إلاَّ معرّف " والحديث يفسّر بعضه بعضاً، وكأنّ هذا هو النّكتة في تصدير البخاريّ الباب بحديث ابن عبّاس.
وأمّا اللّغة فقد أثبت الحربيُّ جوازَ تسمية الطّالب منشداً, وحكاه عياض أيضاً.
واستُدل به على أنّ لقطة عرَفَة والمدينة النّبويّة كسائر البلاد لاختصاص مكّة بذلك.