للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفيه أنّ الحامل لا تحيض. لقوله في طريق سالم المتقدّمة " ثمّ ليطلقها طاهراً أو حاملاً " فحرّم - صلى الله عليه وسلم - الطّلاق في زمن الحيض وأباحه في زمن الحمل، فدلَّ على أنّهما لا يجتمعان.

وأجيب: بأنّ حيض الحامل لَمَّا لَم يكن له تأثير في تطويل العدّة ولا تخفيفها لأنّها بوضع الحمل فأباح الشّارع طلاقها حاملاً مطلقاً.

وأمّا غير الحامل ففرّق بين الحائض والطّاهر , لأنّ الحيض يؤثّر في العدّة فالفرق بين الحامل وغيرها إنّما هو بسبب الحمل لا بسبب الحيض ولا الطّهر. (١)


(١) قال البخاري في الحيض: باب مخلقة وغير مخلقة. ثم روى (٣١٢) عن أنس - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: إنَّ الله عز وجل وكَّل بالرحم ملَكاً يقول: يا رب نطفة , يا رب علقة , يا رب مضغة. فإذا أراد أن يقضي خلقه قال: أذكر أم أنثى , شقي أم سعيد , فما الرزق والأجل. فيكتب في بطن أمه.
قال الحافظ في " الفتح ": قال ابن بطال: غرض البخاري بإدخال هذا الحديث في أبواب الحيض تقويةُ مذهب من يقول إنَّ الحامل لا تحيض، وهو قول الكوفيين وأحمد وأبي ثور وابن المنذر وطائفة، وإليه ذهب الشافعي في القديم.
وقال في الجديد: إنها تحيض، وبه قال إسحاق، وعن مالك روايتان.
قلت: وفي الاستدلال بالحديث المذكور على أنها لا تحيض نظر؛ لأَنه لا يلزم من كون ما يخرج من الحامل هو السِّقط الذي لم يصوّر أن لا يكون الدم الذي تراه المرأة التي يستمر حملها ليس بحيض. وما ادعاه المخالف من أنه رشْحٌ من الولد أو من فضلة غذائه أو دم فساد لعلّة فمحتاج إلى دليل. وما ورد في ذلك من خبر أو أثر لا يثبت؛ لأنَّ هذا دم بصفات دم الحيض وفي زمن إمكانه فله حكم دم الحيض، فمن ادعى خلافه فعليه البيان.
وأقوى حججهم: أنَّ استبراء الأمة اعتبر بالمحيض لتحقق براءة الرحم من الحمل، فلو كانت الحامل تحيض لم تتم البراءة بالحيض.
واستدلَّ ابن المنير على أنه ليس بدم حيض بأنَّ الملك موكل برحم الحامل، والملائكة لا تدخل بيتاً فيه قذر ولا يلائمها ذلك.
وأجيب: بأنه لا يلزم من كون الملك موكلاً به أن يكون حالاًّ فيه، ثم هو مشترك الإلزام؛ لأنَّ الدم كله قذر، والله أعلم. انتهى

<<  <  ج: ص:  >  >>