للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قبل أن يتوضّأ.

واستنكر بعض المتأخّرين هذا النّقل , وقال: لَم يقل الشّافعيّ بوجوبه , ولا يعرف ذلك أصحابه.

وهو كما قال , لكنّ كلام ابن العربيّ محمولٌ على أنّه أراد نفي الإباحة المستوية الطّرفين لا إثبات الوجوب.

أو أراد بأنّه واجب وجوب سنّة , أي متأكّد الاستحباب , ويدلّ عليه أنّه قابله بقول ابن حبيب: هو واجبٌ وجوب الفرائض , وهذا موجود في عبارة المالكيّة كثيراً.

وأشار ابن العربيّ إلى تقوية قول ابن حبيب، وبوّب عليه أبو عوانة في صحيحه " إيجاب الوضوء عن الجنب إذا أراد النّوم " ثمّ استدل بعد ذلك هو وابن خزيمة على عدم الوجوب بحديث ابن عبّاس مرفوعاً: إنّما أُمرت بالوضوء إذا قمت إلى الصّلاة.

وقد قدح في هذا الاستدلال ابنُ رُشد المالكيّ , وهو واضح.

ونقل الطّحاويّ عن أبي يوسف , أنّه ذهب إلى عدم الاستحباب.

وتمسّك بما رواه أبو إسحاق عن الأسود عن عائشة رضي الله عنها , أنّه - صلى الله عليه وسلم - كان يجنب , ثمّ ينام , ولا يمسّ ماءً. رواه أبو داود وغيره.

وتعقّب: بأنّ الحفّاظ قالوا: إنّ أبا إسحاق غلط فيه. (١) وبأنّه لو


(١) قال الشارح في " التلخيص " (١/ ٣٧٨): قال: أحمد إنه ليس بصحيح. وقال أبو داود: هو وهم. وقال يزيد بن هارون: هو خطأ. وأخرج مسلم الحديث دون قوله: ولم يمس ماء , وكأنه حذفها عمداً لأنه علَّلها في كتاب التمييز.
وقال مهنا عن أحمد بن صالح: لا يَحلُّ أن يروى هذا الحديث , وفي علل الأثرم: لو لم يخالف أبا إسحاق في هذا إلاَّ إبراهيم وحده لكفى. فكيف وقد وافقه عبد الرحمن بن الأسود؟ وكذلك روى عروة وأبو سلمة عن عائشة.
وقال ابن مفوز (الحافظ أبو الحسن طاهر بن مفوز): أجمع المحدثون على أنه خطأ من أبي إسحاق.
كذا قال! وتساهل في نقل الإجماع فقد صحَّحه البيهقي. وقال: إنَّ أبا إسحاق قد بيَّن سماعه من الأسود في رواية زهير عنه , وجمع بينهما ابن سُريج على ما حكاه الحاكم عن أبي الوليد الفقيه عنه.
وقال الدارقطني في العلل: يشبه أن يكون الخبران صحيحين. قاله بعض أهل العلم
وقال الترمذي: يرون أن هذا غلطٌ من أبي إسحاق.
وعلى تقدير صحته فيُحمل: على أن المراد لا يمس ماء للغسل. ويؤيده رواية عبد الرحمن بن الأسود عن أبيه عند أحمد بلفظ: كان يجنب من الليل ثم يتوضأ وضوءه للصلاة حتى يصبح , ولا يمس ماء.
أو كان يفعل الأمرين لبيان الجواز. وبهذا جمع ابن قتيبة في اختلاف الحديث.
ويؤيده ما رواه هشيم عن عبد الملك عن عطاء عن عائشة مثل رواية أبي إسحاق عن الأسود , وما رواه ابن خزيمة وابن حبان في صحيحيهما عن ابن عمر , أنه سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - أينام أحدنا وهو جنب؟ قال: نعم. ويتوضأ إن شاء. وأصله في الصحيحين دون قوله: إن شاء. انتهى

<<  <  ج: ص:  >  >>