بادرني عبدي بنفسه " هو كناية عن استعجال المذكور الموت، وسيأتي البحث فيه.
قوله:(حرّمت عليه الجنّة) جارٍ مجرى التّعليل للعقوبة , لأنّه لَمَّا استعجل الموت بتعاطي سببه من إنفاذ مقاتله فجعل له فيه اختياراً عصى الله به , فناسب أن يعاقبه. ودلَّ ذلك على أنّه حزّها لإرادة الموت لا لقصد المداواة التي يغلب على الظّنّ الانتفاع بها.
وقد استشكل قوله " بادرني بنفسه " وقوله " حرّمت عليه الجنّة ". لأنّ الأوّل يقتضي أن يكون من قتل فقد مات قبل أجله , لِمَا يوهمه سياق الحديث من أنّه لو لَم يقتل نفسه كان قد تأخّر عن ذلك الوقت وعاش، لكنّه بادر فتقدّم.
والثّاني يقتضي تخليد الموحّد في النّار.
والجواب عن الأوّل: أنّ المبادرة من حيث التّسبّب في ذلك والقصد له والاختيار، وأطلق عليه المبادرة لوجود صورتها، وإنّما استحقّ المعاقبة , لأنّ الله لَم يطلعه على انقضاء أجله فاختار هو قتل نفسه فاستحقّ المعاقبة لعصيانه.
وقال القاضي أبو بكر: قضاء الله مطلق ومقيّد بصفة، فالمطلق يمضي على الوجه بلا صارف، والمقيّد على الوجهين، مثاله. أن يقدّر لواحد أنّ يعيش عشرين سنة إن قتل نفسه , وثلاثين سنة إن لَم يقتل , وهذا بالنّسبة إلى ما يعلم به المخلوق كملك الموت مثلاً. وأمّا بالنّسبة إلى علم الله فإنّه لا يقع إلَّا ما علمه , ونظير ذلك الواجب المخيّر