قلت: ولَم ينفصل عن هذا إلَّا أن يقول: إنّ السّائل عن ذلك ليس هو صاحب الواقعة.
وقال النّوويّ: دعوى أنّهما كان حربيّين باطلةٌ بل كانا من أهل العهد.
كذا قال. وسلَّم بعض المالكيّة: أنّهما كانا من أهل العهد , واحتجّ بأنّ الحاكم مخيّر إذا تحاكم إليه أهل الذّمّة , بين أن يحكم فيهم بحكم الله , وبين أن يعرض عنهم على ظاهر الآية، فاختار - صلى الله عليه وسلم - في هذه الواقعة أن يحكم بينهم.
وتعقّب: بأنّ ذلك لا يستقيم على مذهب مالك , لأنّ شرط الإحصان عنده الإسلام وهما كانا كافرين.
وانفصل ابن العربيّ عن ذلك , بأنّهما كانا محكّمين له في الظّاهر ومختبرين ما عنده في الباطن , هل هو نبيّ حقّ أو مسامح في الحقّ، وهذا لا يرفع الإشكال ولا يخلص عن الإيراد.
ثمّ قال ابن العربيّ: في الحديث أنّ الإسلام ليس شرطاً في الإحصان، والجواب بأنّه إنّما رجمهما لإقامة الحجّة على اليهود فيما حكّموه فيه من حكم التّوراة. فيه نظر، لأنّه كيف يقيم الحجّة عليهم بما لا يراه في شرعه. مع قوله {وأن احكم بينهم بما أنزل الله}؟.
قال: وأجيب بأنّ سياق القصّة يقتضي ما قلناه، ومن ثَمّ استدعى شهودهم ليقيم الحجّة عليهم منهم.