قال: يمكن أن يتوسّط فيقال: الذي دلَّ الخبر على كراهته نذر المجازاة، وأمّا نذر التّبرّر فهو قربة محضة؛ لأنّ للنّاذر فيه غرضاً صحيحاً، وهو أن يثاب عليه ثواب الواجب، وهو فوق ثواب التّطوّع. انتهى.
وجزم القرطبيّ في " المفهم " بحمل ما ورد في الأحاديث من النّهي على نذر المجازاة. فقال: هذا النّهي محلّه أن يقول مثلاً: إن شفى الله مريضي فعليّ صدقة كذا، ووجه الكراهة أنّه لَمَّا وقف فعل القربة المذكور على حصول الغرض المذكور ظهر أنّه لَم يتمحّض له نيّة التّقرّب إلى الله تعالى لِما صدر منه بل سلك فيها مسلك المعارضة، ويوضّحه أنّه لو لَم يشف مريضه لَم يتصدّق بما علَّقه على شفائه، وهذه حالة البخيل فإنّه لا يخرج من ماله شيئاً إلَّا بعوضٍ عاجلٍ يزيد على ما أخرج غالباً. وهذا المعنى هو المشار إليه في الحديث لقوله " إنّما يستخرج به من البخيل ما لَم يكن البخيل يخرجه ". (١)
قال: وقد ينضمّ إلى هذا اعتقاد جاهل يظنّ أنّ النّذر يوجب حصول ذلك الغرض، أو أنّ الله يفعل معه ذلك الغرض لأجل ذلك النّذر، وإليهما الإشارة بقوله في الحديث أيضاً " فإنّ النّذر لا يردّ من
(١) أخرجه البخاري (٦٣١٦) ومسلم (١٦٤١) من طريق الأعرج عن أبي هريرة رفعه: إن النذر لا يقرِّب من ابن آدم شيئاً لم يكن الله قدره له، ولكنَّ النذر يوافقُ القدرَ، فيخرج بذلك من البخيل ما لم يكن البخيل يريد أنْ يخرج. واللفظ لمسلم. وقد ذكر في الشرح بعض ألفاظه. وسيأتي أيضاً.