وأجاب من منعه: بأنّ الحديث يتعلق بالحكومات الواقعة في فصل الخصومات المبنيّة على الإقرار أو البيّنة، ولا مانع من وقوع ذلك فيها، ومع ذلك فلا يقرّ على الخطأ، وإنّما الممتنعة أن يقع فيه الخطأ أن يخبر عن أمر بأنّ الحكم الشّرعيّ فيه كذا , ويكون ذلك ناشئاً عن اجتهاده , فإنّه لا يكون إلَّا حقّاً، لقوله تعالى {وما ينطق عن الهوى} الآية.
وأجيب: بأنّ ذلك يستلزم الحكم الشّرعيّ , فيعود الإشكال كما كان.
ومن حجج من أجاز ذلك. قوله - صلى الله عليه وسلم -: أمرت أن أقاتل النّاس حتّى يقولوا لا إله إلَّا الله، فإذا قالوها عصموا منّي دماءهم , فيحكم بإسلام من تلفّظ بالشّهادتين ولو كان في نفس الأمر يعتقد خلاف ذلك.
والحكمة في ذلك مع أنّه كان يمكن اطّلاعه بالوحي على كلّ حكومة , أنّه لمَّا كان مشرّعاً كان يحكم بما شرع للمكلفين , ويعتمده الحكّام بعده، ومن ثَمّ قال: إنّما أنا بشر. أي: في الحكم بمثل ما كلفوا به.
وإلى هذه النّكتة أشار البخاري بإيراده حديث عائشة في قصّة ابن وليدة زمعة , حيث حكم - صلى الله عليه وسلم - بالولد لعبد بن زمعة وألحقه بزمعة، ثمّ لَمَّا رأى شبهة بعتبة أمر سودة أن تحتجب منه احتياطاً.
ومثله قوله - صلى الله عليه وسلم - في قصّة المتلاعنين لَمَّا وضعت التي لوعنت ولداً