للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد قال الفرّاء: من قرأ " كبائر " فالمراد بها كبير، وكبير الإثم هو الشّرك، وقد يأتي لفظ الجمع والمراد به الواحد كقوله تعالى: {كذّبت قوم نوح المرسلين} , ولَم يرسل إليهم غير نوح، قالوا: وجواز العقاب على الصّغيرة كجوازه على الكبيرة. انتهى.

قال النّوويّ: قد تظاهرت الأدلة من الكتاب والسّنّة إلى القول الأوّل.

وقال الغزاليّ في " البسيط ": إنكار الفرق بين الصّغيرة والكبيرة لا يليق بالفقيه.

قلت: قد حقّق إمام الحرمين المنقول عن الأشاعرة واختاره , وبيّن أنّه لا يخالف ما قاله الجمهور.

فقال في " الإرشاد ": المرضيّ عندنا أنّ كلّ ذنب يعصى الله به كبيرة، فربّ شيء يعدّ صغيرة بالإضافة إلى الأقران ولو كان في حقّ الملك لكان كبيرة، والرّبّ أعظم من عصي، فكلّ ذنب بالإضافة إلى مخالفته عظيم؛ ولكنّ الذّنوب وإن عظمت فهي متفاوته في رتبها. وظنّ بعض النّاس أنّ الخلاف لفظيّ , فقال: التّحقيق أنّ للكبيرة اعتبارين: فبالنّسبة إلى مقايسة بعضها لبعضٍ فهي تختلف قطعاً، وبالنّسبة إلى الآمر النّاهي فكلّها كبائر. انتهى.

والتّحقيق: أنّ الخلاف معنويّ، وإنّما جرى إليه الأخذ بظاهر الآية، والحديث الدّالّ على أنّ الصّغائر تكفّر باجتناب الكبائر (١)، والله


(١) كحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - في صحيح مسلم (٢٣٣) أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: الصلاة الخمس، والجمعة إلى الجمعة، كفارة لِما بينهن، ما لَم تغش الكبائر " وفي رواية له " الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان، مكفرات ما بينهنَّ إذا اجتنب الكبائر.

<<  <  ج: ص:  >  >>