ونقل ابن المنير في مناقب شيخه القبّاريّ (١) عنه , أنّه كان يقول: المكروه عَقَبةٌ بين العبد والحرام، فمن استكثر من المكروه تطرّق إلى الحرام، والمباح عَقَبةٌ بينه وبين المكروه، فمن استكثر منه تطرّق إلى المكروه.
وهو منزعٌ حسنٌ.
ويؤيّده رواية ابن حبّان من طريقٍ ذكَرَ مُسلمٌ إسنادها , ولَم يسق لفظها , فيها من الزّيادة: اجعلوا بينكم وبين الحرام سترة من الحلال، من فعل ذلك استبرأ لعرضه ودينه، ومن أرتع فيه كان كالمرتع إلى جنب الحمى يوشك أن يقع فيه.
والمعنى أنّ الحلال حيث يخشى أن يئول فعله مطلقاً إلى مكروه أو محرّم ينبغي اجتنابه، كالإكثار مثلاً من الطّيّبات، فإنّه يحوج إلى كثرة الاكتساب الموقع في أخذ ما لا يستحقّ أو يفضي إلى بطر النّفس، وأقلّ ما فيه الاشتغال عن مواقف العبوديّة، وهذا معلوم بالعادة مشاهد بالعيان.
والذي يظهر لي رجحان الوجه الأوّل على ما سأذكره، ولا يبعد أن يكون كلّ من الأوجه مراداً.
ويختلف ذلك باختلاف النّاس: فالعالِم الفطن لا يخفى عليه تمييز
(١) بالفتح وتشديد الموحدة. القدوة الزاهد أحمد أبو القاسم بن منصور الاسكندراني، توفي سنة ٦٦٢، وقد أسنَّ. تبصير المنتبه (٣/ ١١٥٣) لابن حجر.