للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ما يحدث الخمر من الطّرب والنّشأة والمداومة عليها والانهماك فيها، وعلى تقدير تسليم أنّها ليست بمسكرةٍ , فقد ثبت في أبي داود " النّهي عن كلّ مسكر ومفتّر " وهو بالفاء، والله أعلم. (١)


(١) قال ابن تيمية في مجموع الفتاوى (٣٤/ ٢٠٥): وأما " الحشيشة " الملعونة المسكرة: فهي بمنزلة غيرها من المسكرات , والمسكر منها حرام باتفاق العلماء؛ بل كل ما يزيل العقل فإنه يحرم أكله ولو لم يكن مسكراً: كالبنج فإنَّ المسكر يجب فيه الحد وغير المسكر يجب فيه التعزير.
وأما قليل " الحشيشة المسكرة " فحرام عند جماهير العلماء كسائر القليل من المسكرات , وقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: كل مسكر خمر , وكل خمر حرام. يتناول ما يسكر.
ولا فرق بين أن يكون المسكر مأكولاً أو مشروباً؛ أو جامداً أو مائعاً. فلو اصطبغ كالخمر كان حراماً , ولو أماع الحشيشة وشربها كان حراماً.
ونبينا - صلى الله عليه وسلم - بعث بجوامع الكلم. فإذا قال كلمة جامعة كانت عامَّة في كل ما يدخل في لفظها ومعناها. سواء كانت الأعيان موجودة في زمانه أو مكانه أو لم تكن. فلما قال: كل مسكر حرام " تناول ذلك ما كان بالمدينة من خمر التمر وغيرها , وكان يتناول ما كان بأرض اليمن من خمر الحنطة والشعير والعسل وغير ذلك , ودخل في ذلك ما حدث بعده من خمر لبن الخيل الذي يتخذه الترك ونحوهم.
فلم يفرق أحدٌ من العلماء بين المسكر من لبن الخيل والمسكر من الحنطة والشعير , وإن كان أحدهما موجوداً في زمنه كان يعرفه , والآخر لم يكن يعرفه؛ إذ لم يكن بأرض العرب من يتخذ خمراً من لبن الخيل.
وهذه " الحشيشة " فإنَّ أول ما بلغنا أنها ظهرت بين المسلمين في أواخر المائة السادسة وأوائل السابعة. حيث ظهرت دولة التتر؛ وكان ظهورها مع ظهور سيف جنكسخان لَمَّا أظهر الناس ما نهاهم الله ورسوله عنه من الذنوب سلَّط الله عليهم العدو.
وكانت هذه الحشيشة الملعونة من أعظم المنكرات. وهي شرٌّ من الشراب المسكر من بعض الوجوه , والمسكر شرٌّ منها من وجه آخر. فإنها مع أنها تسكر آكلها حتى يبقى مصطولاً تورث التخنيث والديوثة , وتفسد المزاج. فتجعل الكبير كالسفتجة , وتوجب كثرة الأكل , وتورث الجنون , وكثيرٌ من الناس صار مجنوناً بسبب أكلها ... الخ كلامه رحمه الله.

<<  <  ج: ص:  >  >>