واعتمد ابن خزيمة وغيره حديثَ ابن أمّ مكتوم هذا على فرضيّة الجماعة في الصّلوات كلّها , ورجّحوه بحديث الباب وبالأحاديث الدّالة على الرّخصة في التّخلّف عن الجماعة، قالوا: لأنّ الرّخصة لا تكون إلاَّ عن واجب.
وفيه نظرٌ. ووراء ذلك أمر آخر ألزم به ابن دقيق العيد من يتمسّك بالظّاهر ولا يتقيّد بالمعنى، وهو أنّ الحديث ورد في صلاة معيّنةٍ فيدلّ على وجوب الجماعة فيها دون غيرها، وأشار للانفصال عنه بالتّمسّك بدلالة العموم.
لكن نوزع في كون القول بما ذكر أوّلاً ظاهريّة محضة (١) فإنّ قاعدة حمل المطلق على المقيّد تقتضيه، ولا يستلزم ذلك ترك اتّباع المعنى، لأنّ غير العشاء والفجر مظنّة الشّغل بالتّكسّب وغيره، أمّا العصران فظاهر، وأمّا المغرب فلأنّها في الغالب وقت الرّجوع إلى البيت والأكل ولا سيّما للصّائم مع مضيّ وقتها، بخلاف العشاء والفجر فليس للمتخلف عنهما عذر غير الكسل المذموم.
(١) قال الشيخ ابن باز رحمه الله (٢/ ١٦٨): ليس هذا بجيد , والصواب ما قاله ابن خزيمة وغيره من الموجبين للجماعة في جميع الصلوات , وإنما يستقيم حمل المطلق على المقيد إذا لَم يوجد دليلٌ على التعميم , وفي هذه المسألة قد قام الدليل على التعميم كحديث " من سمع النداء فلم يأت فلا صلاة له إلاَّ من عذر " وغيره من الأحاديث التي أشار إليها الشارح في هذا الباب. وذكر العشاء والفجر في بعض الروايات , ولإن الحكمة في شرعية الجماعة تقتضي التعميم. والله أعلم.