للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عَلَى رَأي المَالِكِيّةِ: أنَّهُم يَسْتَدرِكُوْن مَا فَاتَهم من قَائِلَةِ الضَّحَاءِ؛ لأنَّهُم كَانُوا يُهَجِّرُونَ يومَ الجُمَعَةِ فَلَا يُمْكِنُهُمْ أَنْ يَقِيْلُوا قَائِلَةَ الضَّحَاءِ حَتَّى يَنْصَرِفُوْا مِنَ الصَّلاةِ، فَيَسْتَدْرِكُوْا مَا فَاتَهُم مِنْ ذلِكَ، فَتَقْدِيْرُ الكَلامِ عَلَى هَذَا: فَنَقِيْلُ قَائِلَةَ الضَّحَاءِ الَّتي فَاتَتْنَا، أَو نَقِيْلُ القَائِلَةَ الَّتِي كَانَ يَجِبُ أَنْ نَقِيْلَهَا في الضَّحَاءِ فَحَذَفَ بعضَ الكَلامِ اخْتِصَارًا، والعَرَبُ تَفْعَلُ ذلِكَ كثيْرًا، فَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالى (١): {فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا (١٠٥)} أي: وَزْنًا نافِعًا، وَلَمْ يُرِدْ نَفْيَ الوَزْنِ عَلَى الإطْلاقِ لِقَوْلهِ في آيةٍ أُخْرَى (٢): {وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ} فَأخبَرَ أَنَّ أَعْمَالهُم تُوْزَنُ ولكِنَّهُ وَزْنٌ لَا يَنْتِفِعُونَ بِهِ. وَقَالتِ الكِلابِيةُ (٣):


(١) سورة الكهف.
(٢) سورة المؤمنون، الآية: ١٠٣.
(٣) هِيَ مَيْسُوْنُ بنتُ بَحْدَلٍ الكِلابِيّةُ، زَوْجَةُ مُعاويةَ بن أَبي سُفْيَانَ - رضي الله عنه - أمُّ ابنهِ يَزِيْدَ بنَ مُعَاويَةَ، شَاعِرَةٌ، فَصِيْحَةٌ، بَدَويةٌ، لم تُطِقِ الغُرْبَةَ عَنْ أَهْلِهَا بالبَادِيَةِ فقَالتِ الأبْيَاتِ الَّتي مِنْهَا الشَّاهِدُ، وهي -كَمَا أَورَدَهَا البَغْدَادِيُّ في الخِزَانة-:
لَبَيْتٌ تَخْفِقُ الأرْوَاحُ فِيْهِ ... أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ قَصْرٍ مُنِيْفِ
وبِكْرٌ يتْبعُ الأضْعَانَ سقْبًا ... أَحَب إِليَّ مِنْ بَغْلٍ زَفُوْفِ
وَكَلْبٌ يَنْبَحُ الطُّرُّاق عَنِّي ... أَحَبُّ إِلَيَّ مِن قِط ألوْفِ
وَلُبْسُ عَبَاءَة وتَقَرَّ عَينِي ... أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ لِبْسِ الشُّفُوْفِ
وأَكلُ كُسَيْرَةٍ من كِسْرِ بَيْتِي ... أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَكْلِ الرَّغِيْفِ
وَأَصْوَاتُ الرِّيَاحِ بِكُلِّ فَجٍ ... أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ نَقْرِ الدّفُوْفِ
وخِرْقٌ مِنْ بني عَمّي نَحِيْفٌ ... أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ عِلْج عَلِيْفِ
خشُوْنَةُ عِيْشَتِي في البَدْو أَشْهَى ... إِلَى نَفْسِي مِنْ العَيْشِ الطَرْيْفِ =