للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

هَذهِ الَّتِي تَعْمَلُ مُخَفَّفَةً عَمَلَهَا مُثقَّلَةً، ويُضْمَرُ اسمُهَا، وتُجْعَلُ "كَانَ" زَائِدَةً كَأَنَّهَا قَالتْ: إِنهُ لَيَكُوْنُ عَلَيَّ، وهَذَا الضمِيرُ الَّذِي يُسَمِّيهِ الكُوْفِيُّوْنَ المَجْهُوْلَ (١)، وَهُوَ كَالَّذِي في قَوْلهِ تَعَالى (٢): {إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِمًا} عَلَى هَذَا رَوَى بَعْضُهُمْ: "إِنَّ مِنْ أَشَدِّ النَّاس عَذَابًا يَوْمَ القِيَامَةِ المُصَوِّرُوْن" بالرَّفْعِ عَلَى مَعْنَى إِنَّه، وأَكْثَرُ مَا يَجِيءُ حَذْفُ هَذَا الضَّمِيرِ فِي الشِّعْرِ.

(جَامَعُ الصِّيام)

-[قَوْلُهُ: "فَإِذَا كَانَ أَحَدُكُمْ صَائِمًا لَا يَرْفُثُ ... "] [٥٧]. الرَّفَثُ - هُنَا -: الكَلَامُ القَبِيحُ .. والجَهْلُ: ضِدُّ الحِلْمِ، وَهُوَ أَنْ يَدَعَ الصَّبْرَ ويُؤثر [الانتصار]؟ (٣).

ويَكُوْنُ الجَهْلُ في مَوْضعٍ آخرَ: ضِدُّ العِلْمِ، وَلَيس هَذَا مَوْضِعَهُ، وهُمَا رَاجِعَانِ إِلَى أَصْلٍ وَاحِدٍ. وَقَدْ يَكُوْنُ الرَّفَثُ: الجِمَاعُ، ولَيس هَذَا أَيضًا مَوْضِعَهُ.

- و"الجُنَّةُ" السِّتْرُ، قَال قَوْمٌ: إِنَّه المِجَنَّةُ مِنَ النَّارِ (٤). والأشْبَهُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ في هَذَا الحَدِيثِ جُنَّةٌ بَينَ الصَّائِمِ وبَينَ الآثَامِ والفَوَاحِشِ يَحُوْلُ بَينَهُ وَبَينَهَا. ولِتكرِيرِهِ "إِنِّي صَائِمٌ" وَجْهَانِ: أَحَدَهُمَا التّأْكِيدُ. والثَّانِي: أَنْ يُرِيدَ مُعَاتَبَةَ نَفْسِهِ كُلَّمَا هَمَّتْ بالمُرَاجَعَةِ، وَلَيسَ المرَادُ بِهِ أَن يَقُوْلَ ذلِكَ في مَرَّةٍ وَاحِدَةً وَلكِنَّ المُرَادَ أَنْ يَقُوْلَ ذلِكَ في كُلِّ وَقْتٍ يَعْرِضُ لَهُ ذلِكَ.


(١) ويُسميه البصريون ضَمِيرَ الشَّأن والحَدَثِ والقِصَّةِ.
(٢) سورة طه، الآية: ٧٤.
(٣) في الأصل: "الإفطار".
(٤) جاء في "الاقْتِضاب" لليَفْرَنيِّ: "وَرُويَ عن عُثْمان بن أبي العاص عن النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - أنَّه قال: "الصِّيامُ جُنَّة يستجنُّ بها العبدُ من النَّار".