للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

حَكَى ابنُ الأعْرَابِيِّ أَنّهُ قَال لأعْرَابِيٍّ: أَتَعُوْدُ إِلَى البَادِيَةِ؟ ! فَقَال: أَمَّا مَا دَامَ السَّعْدَانُ مُسْنَلْقِيًا فَلَا. أَرَادَ أَنَّه لَا يَعُوْدُ إِلَيهَا أَبَدًا. وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ اسْنَلْقَى الرَّجُلُ: إِذَا رَمَى نَفْسَهُ إِلَى الأرْضِ كَيفَ مَا كَانَ، واسْتَلْقَى: إِذَا رَقَدَ عَلَى ظَهْرِهِ، فَمَعْنَى اسْنَلْقَى أَلْقَى نَفْسَهُ إِلَى الأرْضِ كَمَا يُقَالُ: اسْتَجَابَ بِمَعْنَى أَجَابَ، واسْتَوْقَدَ بِمَعْنَى أَوْقَدَ.

- وَ [أَمَّا] قَوْلُهُ: "وَضَرَبَ بِإِحْدَي يَدَيهِ عَلَى الأُخرَي". فَإِنَّ هَذا أَمْرٌ كَانَتِ العَرَبُ تَفْعَلُهُ إِذَا أَرَادَ أَحَدُهُمْ أَنْ يُنَبِّهَ غَيرَهُ عَلَى شَيءٍ يَسْتَدْعِيَ إِقْبَالهُ عَلَيهِ، وَرُبَّمَا فَعَلَهُ الرَّجُلُ إِذَا صَاحَ عَلَى شَيءٍ، وإِذَا تَعَجَّبَ مِنْهُ. وَقَال الشَّاعِرُ -في التَّصْفِيقِ بِمَعْنَى التَّنْبِيهِ-:

أَقَامُوا الدَّيدَبَانَ (١) عَلَى يَفَاعٍ ... وَقَالُوا لأَنْتُمُ الدَّيدَبَانِ

فَإِن أَبْصَرْتَ ضَيفًا مِنْ بَعِيدٍ ... فَصَفِّقْ بالبَنَانِ عَلَى البَنَانِ

تَرَاهُمْ خَشْيَةَ الأَضْيَافِ خُرْسًا ... يُصَلُّوْنَ الصَّلَاةَ بِلَا أَذَانِ

-[وَ] ذَكرَ قَوْلَ عُمَرَ: "إنَّ الأَمَةَ أَلْقَتْ فَرْوَتَهَا مِنْ وَرَاءِ الدَّارِ". الفَرَوْةُ جِلْدُ الرَّأْسِ، وَأَرَادَ بِهَا -هَهُنَا-: الخِمَارَ، سَمَّاهُ فَرْوَةً لِكَوْنهِ عَلَى الفَرْوَةِ، وَأَرَادَ بِوَرَاءِ الدَّارِ: خَارِجَهَا، وَمَعْنَى الحَدِيثِ: إِشَارَةٌ إِلَى كَثْرَةِ تَصَرُّفِهَا، وَعَدَمِ إِمْكَانِ تَثْقِيفِهَا، مَعَ عَدَمِ حَيَائِهَا وَقِلَّةِ تَسَتُّرِهَا.

[الحَدُّ في القَذْفِ والنَّفْي والتَّعْرِيضِ]

- وَذَكَرَ قَوْلَ أَبِي مَيمُوْنَةَ (٢): قَدِمْتُ المَدِينَةَ فَدَخَلْتُ المَسْجِدَ وَقَيَّدْتُ


(١) في الأصل: "الديدان".
(٢) الاستذكار (٢٤/ ٩١).