للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[جَامعُ الحِسْبَة في المُصِيبَة]

- قَوْلُهُ: "واعقِبْنِي خَيرًا مِنْها إلَّا فَعَلَ اللهُ بِهِ ذلِكَ" [٤٢].

- وَقَوْلُهُ - في أَوَّلِ الحَدِيث -: "مَنْ أصَابتهُ مُصِيبةٌ". ذَكَرَ جَمِيع الرُّوَاةِ إلَّا القَعْنَبِيُّ فَإِنَّهُ قَالَ فِيهِ: "مَا مِنْ أَحَدٍ تُصِيبُهُ ... " وَسَاقَ الحَدِيثَ.

قَال أَبو الوَليدِ هِشَامٌ (١): وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأنَّ قَوْلَهُ: إلا فَعَلَ اللهُ ذلِكَ بِهِ إيجَابٌ، وسَبِيلُهُ أَنْ يَأْتِيَ بَعْدَ نَفْيٍ يَتَقَدَّمُهُ، وَلَيسَ في رِوَايَةِ يَحْيَى وَلَا غَيرِهِ نَفْيٌ، اللَّهُمَّ إلا أَنْ يُقَال: إِنَّ رِوَايَةَ يَحْيَى -وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا نَفْيٌ- فَإِنَّهَا في تأْويلِ النَّفْيِ لأنَّ "مِنْ" شَرْط، والشَّرْطُ غَيرُ وَاجِبٍ، فَهُوَ يُضَارعُ النَّفْيَ؛ لأنَّه يَجُوْزُ أَنْ يَكُوْنَ، ويَجُوْزُ أَنْ لَا يَكُوْنَ فَحُمِلَ عَلَى المَعْنَى، ولَهُ نَظَائِرُ كَثيرَةٌ مِنَ الشَّعْرِ.

- وَقَوْلُهُ: "وَاعْقِبْنِي خَيرًا مِنْهَا". أَي: اعْقِبَنِي مِنْهَا خَيرًا، أَي: اجْعَلْهَا أَنْ تُفْضِيَ بِي إِلَى خَيرٍ، فَيَكُوْنُ الخَيرُ ههنَا لَيسَ الَّذِي يُرَادُ بِهِ المُفَاضَلَةُ كَقَوْلهِ: زَيدٌ خَيرٌ مِنْ عَمْرِو، وَلكِنَّهُ الخَيرُ الَّذِي لَا يُرَادُ بِهِ المُفاضَلَةُ كَقَوْلكَ: مَا رَأَيتُ مِنْكَ خَيرًا قَطُّ، إِذَا لَمْ يُحْسِنْ إِلَيكَ، وَعَلَيهِ تأَوَّلَ بَعْضُهُم [قَوْلُهُ تَعَالى] (٢): {نَأتِ بِخَير مِنْهَا} أَي: نَأْتِ مِنْهَا بِخَيرٍ وَإِنْ شِئْتَ جَعَلْتَ "خَيرًا" ههنَا الَّتِي يُرَادُ بِهَا المُفَاضَلَةُ جَعَلْتَ المُصِيبَةَ هِيَ الشَّيءُ المُصَابُ بِهِ المَفْقُوْدُ، يُرِيدُ: اللَّهُمَّ أَجِرْنِي في مُصِيبَتِي واعْقُبْنِي خَيرًا مِنْهَا، فَيَكُوْنُ نَحْوًا مِنْ قَوْلهِمْ: أَنْتَ أَكْرَمُ عَلَيَّ مِنْ أَنْ أَضُرَّكَ.

- وَقَوْلُهُ: "وَجَدَ عَلَيهَا" [٤٣]: مَعْنَاهُ: حَزِنَ.


(١) يعني بذلك نَفْسُهُ، هِشَامُ بن أَحْمَدَ الوَقَّشِيُّ المؤلِّفُ.
(٢) سُورة البقرة، الآية: ١٠٦.