للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الدُّعَاءُ للمَدِينَةِ وأَهْلِهَا]

- قَوْلُهُ - صلى الله عليه وسلم -: "بَارِك لَهُمْ فِي مِكيَالِهِمْ" [١]. أَي: فِيمَا يَكِيلُوْنَهُ، وَلَمْ يُرِدِ البَرَكَةَ في الكَيلِ وَحْدَهُ، وَمِنْ شَأْنِ العَرَبِ أَنْ تَعْدِلَ عَنِ التَّصْرِيحِ بِذِكْرِ الشَّيء إِلَى مَا يُشِيرُ إِلَيهِ ويَدُلُّ عَلَيهِ، ويَرَوْنَ ذلِكَ أَبْلَغَ فِي المَعْنَى كَقَوْلهِمْ؛ فِدًى لَكَ ثَوْبِي وَرِدَائِي. يُرِيدُوْنَ [بالثَّوْبِ وَ] الرِّدَاءِ مَا اشْتَمَلَ عَليه مِنَ الذَّاتِ، وَيَقُوْلُوْنَ: فُلَانٌ عَفِيفُ الإزَارِ، وطَاهِرُ الجَيبِ، وَوَاسِعُ الصَّدْرِ، وَرَخِيُّ البَالِ، يُرِيدُوْنَ: مَا اشْتَمَلَ عَلَيهِ الإزَارُ مِنَ الفَرْجِ، وَسَلَامَةِ الصَّدْرِ والقَلْبِ منَ الغِشِّ، فَهَذَا وَجْهٌ.

والوَجْهُ الآخَرُ: وَهُوَ أَنَّ الأشْيَاءَ الَّتِي تُكَالُ إِذَا بُوْرِكَ فِيهَا رَخَصَتْ أَسْعَارُهَا فَتَضَاعَفَتْ أَعْدَادُهَا حَتَّى يَبْتَاعَ الرَّجُلُ بِدِرْهَمٍ أَرْبَعَةَ أَكْيَالٍ مَكَانَ كَيلٍ وَاحِدٍ كَانَ يُبْتَاعُ بِهِ قَبْلَ ذلِكَ، فَلَمَّا كَانَتِ الأَكْيَالُ مُتَعَلِّقَة كَالمَكِيلِ صَارَ الدُّعَاءُ لِلْمِكْيَالُ دُعَاء للْمَكِيلِ، والعَرَبُ تَقُوْلُ: كِلْتُ، الدِّرْهَمَ كَمَا تَقُوْلُ: كِلْتُ الطَعَامَ فَيَسْتَعْمِلُوْنَ هَذِهِ اللَّفْظَةِ في المَكِيلِ والمَوْزُوْنِ، وَلِهذَا سُمِّيَتْ دَرَاهِمَ المَدِينَةِ الكَيلَ، فَيقُوْلُوْنَ: بِعْتُ الثَّوْبَ بِعَشْرَةَ دَرَاهِمَ كَيلًا، وَهِيَ أَحَدَ عَشَرَ دِرْهَمًا من الدَّرَاهِمِ الوَازِنَةِ، وأَرْبَعَةَ عَشَرَ دِرْهَمًا مِنَ الدَّرَاهِم الدَّخْلِ.

والمِكْيَالُ يَكُوْنُ المِقْدَارُ الَّذِي يُوْزَنُ بِهِ، كَمَا يَكُوْنُ المَقْدَارَ الَّذِي يُكَالُ بِهِ، فَدُعَاؤُهُ - صلى الله عليه وسلم - يَنْتَظِمُ المِكْيَال والمِيزَانَ، وأَيضًا فَإِنَّهُ قَال: "بَارَكَ اللهُ في مَدِينتِنا" وَلَمْ يَخُصَّ شَيئًا مِمَّا تَحْتَوي عَلَيهِ. أَمَّا قَوْلُهُ: المِيزانُ مِيزَانُ المَدِينَةِ، والمِكْيَالُ مِكْيَالُ مَكَّةَ، فَلَيسَ فِيهِ مَا يَنْفِي الكَيلَ عَنْ مَكَّةَ وَلَا الوَزْنَ عَنِ المَدِينةِ، وَلكِنَّه


= (البيوع): جَامع بَيْعِ الثَّمر، وقوله في كتاب (الحدود): جامع القطع ... وغيرهما كثيرٌ.