للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قَال تَعَالى. (١) {غَيرَ نَاظِرينَ إِنَاهُ} والمَعْنَى. لَا يَسْبِقُ وَقْتَهُ الَّذِي قَدَّرَ كَوْنَهُ فِيهِ. وَرَوَاهُ قَوْمٌ: "وَلَا يُعْجَلُ شَيءٌ آنَاهُ وَقَدَرَهُ"، اعتَقَدُوا في آنى فِعْلٌ مَاضٍ من قَوْلِ العَرَبِ: آتَيتُ الشَّيءَ إِينَاءً: إِذَا أَخَّرْتُهُ، وَمَعْنَاهُ عَلَى هَذَا: لَا يَقْدِرُ أَحَدٌ عَلَى تَعْجِيلِ شَيءٍ أَخَّرَهُ اللهُ، كَمَا لَا يَسْتَطِيع تَأْخِيرَ شَيءٍ قَدَّمَهُ اللهُ، وفي رِوَايَةِ القَعْنَبِيِّ: "لَا يَعْجَلُ شَيئًا آنَاهُ وَقَدَّرَهُ"، عَلى أَنْ يَكُوْنَ آنَاهُ فِعْلًا مَاضِيًا، وفي "يُعْجَلُ" ضَمِيرُ فَاعِل يَرْجِعُ إلى اللهِ، وَمَعْنَاهُ عَلَى هَذَا: إِنَّ اللهَ وَقَّتَ لِلأَشيَاءِ مَوَاقِيتَ، فَهُوَ تَعَالى لَا يُقَدِّمُ مِنْهَا شَيئًا قَبْلَ وَقتِهِ وَلَا يُؤَخِّرُ. وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ: "لَا يُعْجِلُ شَيئًا إِنَاهُ وَقَدَّرَهُ" فَالإنَى عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ اسمٌ لَا فِعْلٌ، وتَفْسِيرُهُ كَتَفْسِيرِ فَتْحِ اليَاءِ والجِيمِ (٢).

[مَا جَاءَ فِي الحَيَاءِ]

- وَ [قوْلُهُ: "دَعْهُ فَإنَّ الحَيَاءَ مِنَ الإِيمَانِ"] [١٠]. لَمَّا (٣) كَانَ الحَيَاءُ يَرْدعُ صَاحِبَهُ عَنِ القَبَائِحِ وَيَصُدُّهُ عَنِ الفَوَاحِشِ كَمَا يَفْعَلُ الإيمَانُ، كَانَ كَأَنَّهُ جُزْءٌ مِنْهُ مَشَابَهَتُهُ إِيَّاهُ في فِعْلِهِ. والحَيَاءُ مِنْ مَحَاسِنِ الأَخْلَاقِ، والإيمَانُ لَا يَصِحُّ إلا بالتِزَامِ الأخْلَاقِ الجَمِيلَةِ واطِّرَاحِ الذَّمِيمَةِ، وَلِذلِكَ قَال - صلى الله عليه وسلم -: "بُعِثْتُ لأُتَمِّمَ مَحَاسَنَ الأَخْلَاقِ" فَلِذلِكَ صَارَ كَأَنَّهُ شعْبَةٌ مِنَ الإيمَانِ.


(١) سورة الأحزاب، الآية: ٥٣.
(٢) في الأصل: "والميم". وَهَذه هي الثَّابِتَة في رِوَايَةِ يَحْيَى بطَبْعَتَيهِ.
(٣) هَذِهِ الفَقْرَةُ فَمَا بَعْدَهَا تأخَّرت عنْ مَوضِعِهَا في الأصلِ، وتقدَّم عليها خمس فقرات من أول كتاب "حُسن الخُلق" كَمَا سَيَأَتِي.