للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَقَدْ حَرَّمَ قَوْمٌ عَلَى أَنْفُسِهِمُ الحمْرَ في الجَاهِلِيَّةِ حَيَاءً وَخجَلًا مِنْ أَنْ يَفْعَلُوا فِعْلًا يُعَابُوْنَ بِهِ، فالتَزَمُوا مِنْ كَرِيمِ الأخْلَاقِ بالحَيَاءِ مِثْلَ مَا أَوْجَبَهُ الإيمَانُ فِمِمَّنْ حَرَّمَ ذلِكَ عَلَى نَفْسِهِ وَعَلَى بنيهِ: الوَليدُ بنُ المُغِيرَةَ المُخْزُوْمِيُّ (١)، ثُمَّ وَجَدَ رِيحَهَا مَرَّةً مِنْ ابْنِهِ هَاشِمٍ فَجَلَدَهُ الحَدَّ.

وَمِنْهُمْ عَامِرُ بنُ الظَّرِبِ العَدْوَانِيُّ (٢)، وَقَال في ذلِكَ:


(١) هُوَ الوَليدُ بنُ المُغِيرَةِ بن عَبْدِ الله بنِ عَمْرِو بنِ مَخْزُوْمٍ، أَبُو عَبْدِ شَمْسٍ. سَيِّدٌ مِن سَادَاتِ قُرَيش في الجَاهِلِيَّةِ. يُقَالِ لَهُ "العِدْلُ" لأنَّه كَانَ عِدْلَ قُرَيش كلِّها، كَان يَكْسُو البيتَ سَنَةً ويَكْسُوهُ قُرَيشُ سَنَةً. وَلَمَّا جَاءَ الإسْلَامِ كَانَ مِمَّن حَادَّ اللهَ وَرَسُوْلَهُ وعَانَدَ فَلَمْ يَتْبَعِ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - بَلْ نَاصَبَهُ العَدَاءِ، وحَرَّضَ عليه، حَتَّى أَهْلَكَهُ اللهُ تَعَالى بعدَ هِجْرَةِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - بِثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ. يُراجع: المُحَبَّر (١٦١، ١٧٤، ٢٣٧، ٣٣٧)، والكَامل لابن الأثير (٢/ ٢٦)، ونهاية الأرب (١٦/ ٢٧٣) ... وغيرها، وَذَكَرُوا أنَّه جَلَدَ ابنَهُ في الخَمْرِ. وَقَوْلُ المُؤَلِّفِ رحمه الله: "فَجَلَدَهُ الحَدَّ" لَا مَعْنَى لَهُ؛ لأنَّ الحُدُوْدَ لَمْ تُعْرَفْ بِهَذَا المُصْطَلَحِ إلَّا في الإسلَامِ، والخَمْرُ لَم تُحَرَّمْ في الإسْلَامِ إلا تَدَرُّجًا، فَثْبُوْتُ الحَدِّ فيها والأمْرُ بجلدِ شَارِبِ الخَمْرِ لَمْ يَكُنْ في بِدَايَةِ الإسْلَامِ، وهَذَا مَعلومٌ.
(٢) عَامِرٌ هَذَا سَيِّدُ من سَادَاتِ العَرَبِ في الجَاهِليَّةِ، وكَبِيرٌ مِنْ كُبَرَائِهِمْ، كَانَ خَطِيبَهُم وحَكَمَهُم وحَكِيمَهُم، مِن بني عَدْوَانَ، يُقَلَّبُ "ذَا الحِلْمِ" وهو أَوَّل من قُرِعَتْ لَهُ العَصَا:
* الذِي الحِلْمِ قَبْلَ اليَوْمَ مَا تُقْرَعُ العَصَا *
وَكَانَت ابنَةُ عَامِرٍ هَذَا من حَكِيمَاتِ العَرَبِ، ذَكَرَ ذلك ابنُ بَاطِيش في كتابه "غايةِ الوَسَائل في معرفة الأوائل" وهو عندي بخطِّهِ وللهِ المنَّةُ. يُراجع في أَخْبَارِهِ: البيان والتبيين (١/ ٢٦٤)، والمُحَبَّر (١٣٥، ٢٣٦، ٢٣٧، ٢٣٩)، والعِقْد الفَريد (٢/ ٢٥٥)، وله أَخْبَارٌ في كُتُبِ الأمثال والأوائل ... وغيرها. والأبياتُ المذكورةُ أنشدها ابنُ حَبِيبَ في المحبَّر، والرَّقيقُ القَيرَوَانِيُّ في قطبِ السُّرُوْرِ "المختار" (٤٥٥)، وغيرهما. ويلاحظ اضطراب وزن البيت الأخير.