للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إِذَا أَحْوَجْتَهُ إِلَى أَنْ يَشْكُو، وأَشْكَيتُهُ: إِذَا شَكَا إِلَيكَ فَأزلْتَ عَنْهُ مَا يَشْكُوْهُ، قَال الزَّاجِزُ (١):

تَمُدُّ بِالأعْنَاقِ أَوْ تَلْويهَا

وتَشْتكي لَوْ أَنّنا نُشْكِيهَا

مَسَّ حَوَايًا قَلَّمَا نُجْفِيهَا

وَقَدْ اخْتُلِفَ فِي مَعْنَى قَوْله [- صلى الله عليه وسلم -]: "اشْتكَتِ النَّارُ إلَى رَبِّها" فَجَعَلَهُ قَوْمٌ حَقِيقَةً، وقَالُوا: إِنَّ الله قَادِرٌ على أَنْ يُنْطِقَ كُلَّ شَيءٍ إِذَا شَاءَ، وجَعَلُوا جَمِيع مَا وَرَدَ مِنْ هَذَا ونَحْوهِ في القُرآنِ والحَدِيثِ علَى ظَاهِرِهِ (٢) [وَهُوَ الحَقُّ والصَّوَابُ إِنْ شَاءَ


= الرَّجُلَ ... " وَذَكَرَهَا المؤلِّفُون في الأضْدَادِ كَأبِي حَاتِم، وابنِ السَّكِيتِ، وقُطْرُبٍ، وابنِ الدَّهانِ .. وغَيرِهِمْ ويُراجع: الجَمْهَرة (٢/ ٨٧٨)، واللِّسَان، والتَّاج (شَكَا).
(١) الأبياتُ الثَّلاثةُ من الرّجَزِ في كُتُب الأضْدَادِ السَّالِفَةِ، واللِّسَان، والتَّاج (صفا) و (شكا).
(٢) ما ذَكَرَهُ المُؤَلِّفُ هُنَا مُخْتَصَرٌ، وهو بتَوضِيح أَكْثَرَ في "الاقْتِضَابِ" لِلْيَفْرنيِّ، وَمَا ذَكَرَهُ اليَفْرَنيُّ مُخْتَصَرٌ أَيضًا من كَلامِ الحَافِظِ أَبي عُمَرَ بنِ عَبْدِ البَرِّ في "التمْهِيدِ" و"الاسْتِذْكَارِ" وأَطَال الحَافِظُ -رَحِمَهُ الله وأثَابَهُ الجَنَّةَ بمنِّهِ وكَرَمِهِ- الكَلامَ في هَذَا وعَرَضَ أَدِلَّةَ القائلين بالحَقِيقَةِ وأدلَّة القائلين بالمَجَازِ من الآيَاتِ والأحَادِيثِ والشِّعْرِ، ثُمَّ قَال: "والاحْتِجَاجُ لِكِلا القَوْلَينِ يَطُوْلُ وَلَيسَ هَذَا مَوْضعَ ذِكْرِهِ، وحَمْلُ كَلامِ اللهِ تَعَالى وكَلامَ نَبِيّهِ - صلى الله عليه وسلم - على الحَقِيقَةِ أَوْلَى بِذَوي الدّينِ والحَقِّ؛ لأنَّه يَقُصُّ الحَق، وَقَوْلُهُ الحَقُّ تَبَارَكَ وتَعَالى عُلُوًّا كَبِيرًا".
وأقُوْلُ -وعلى الله أَعْتَمِدُ-: هَذَا واللهِ مَذْهَبُ السَّلَفِ الَّذِينَ يَحْتَاطُوْنَ لدينهم وَيَبْعِدُوْنَ عن الشُّبُهَاتِ، وعن الخَوْضِ فِيمَا لَا مَنْفَعَةَ فِيهِ، عَمَلًا بِقَوْلِ الصَّادِقِ المَصْدُوْقِ: "دع مَا يُريبك إلى مَا لا يُريبك" وَقَوْلُهُ - صلى الله عليه وسلم -: "وَمَنِ اتَّقَى الشُّبهُاتِ فَقَد اسْتَبرْأ لِدِينِهِ وعِرْضِهِ ... " والأصْلُ أَن تُصْرَفَ الألفاظُ إلى معانيها الظَّاهرةِ وتأويلها إلى معَانٍ مَجَازيَّة عُدُولٌ عن القَصْدِ، لا يُصَارُ إليه إلَّا بقَرَائِنَ ظَاهرةٍ واضِحَةٍ لا لَبْسَ فيها، وهو مَا ذَهَبَ إليه =