حَمِدَكَ، مِثْلُ غَفَرَ اللهُ لِزَيدٍ وَشِبْهُهُ، وَإِنَّمَا فَعَلَ ذلِكَ؛ لأنْ لا يُجْرُوا مَا لَيسَ بِمَضْمُوْنٍ مُجُرَى المَضْمُوْنِ، مُبَالغَةً في المَعْنَى، وَثِقَةً بِرَحْمَةِ المَدْعُوِّ وتَحَقُّقًا بإِجَابَتِهِ. واللَّامُ في "لِمَنْ حَمِدَهُ" بِمَعْنَى "مِنْ"، وإِنَّمَا جَازَ ذلِكَ؛ لأنَّ مَنْ سُمِعَ فَقَدْ أُصْغِيَ لَهُ، فَجَرَى السَّمَاعَ مَجْرَى الإصْغَاءِ، إِذْ هُوَ بِمَعْنَاهُ. ويَجُوْزُ أَنْ يَكُوْنَ "سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ" خَبَرًا عَلَى ظَاهِرِهِ وَلَيسَ بِدُعَاءٍ فَيَكُوْنُ بِمَنْزِلَةِ: "اللهُ أَكْبَرُ"، و"سُبْحَانَكَ اللهُمَّ"، وَ"رَبَّنَا وَلَكَ الحَمْدُ"، وهَذَهِ كُلُّهَا أَخْبَارٌ. وَحَكَى يَعْقُوْبُ: أَنَّ الوَاوَ في "وَلَكَ الحَمْدُ" زَائِدَةٌ، ويَجُوْز أَنْ تكوْنَ عَاطِفَةً لِكَلَامِ المَأْمُوْمِ عَلَى كَلَامِ الإمَامِ، ويَجُوْزُ عِنْدِي أَنْ يَكُوْنَ مَعْطُوْفًا عَلَى كَلَامٍ مَحْذُوْفٍ، تَقْدِيرُهُ: رَبَّنَا أَنْتَ السَّامَعُ مِمَّن يَحْمَدُكَ وَلَكَ الحَمْدُ، فَحَذَفَ ذلِكَ واكْتفَى بِمَا تَقَدَّمَ مِنْهُ في كَلَامِ الإمَامِ، وهَذَا نَحْوَ قَوْلِ الرَّجُلِ لِصَاحِبِهِ: مَرْحَبَا، فَيَقُوْلُ صَاحِبُهُ رَدًّا عَلَيهِ: وَبِكَ أَهْلَا أَي: وَبِكَ مَرْحَبًا وأَهْلًا فَحَذَفَ لِتَقَدُّمِ ذِكْرِهِ في كَلَامِ صَاحِبِهِ.
- وَ"حَذْوَ" [١٦]. بِمَعْنَى مُقَابِلِ، يُقَالُ: جَلَسْتُ حَذْوَهُ وحِذَاءَهُ وحَذْوَتَهُ وحِذْوَتَهُ وحِذَتَهُ بِمَعَنًى وَاحِدٍ.
- وَقَوْلُهُ: "إِنِّي لأشْبَهُكُمْ بِصَلَاةِ رسُوْلِ اللهِ" [١٩]. التَّقدِيرُ: صَلَاةَ بِصَلَاةِ فَحَذَفَ التَّمْيِيزَ لِدَلَالةِ مَا في الكَلَامِ عَلَيهِ، وَقَدْ رُويَ في غَيرِ "المُوَطَّأ": "صَلَاةً بِصَلَاةِ رَسُوْلِ اللهِ" عَلَى غَيرِ حَذْفٍ.
وأمَّا قَوْلُهُ: "يَبْتَدِيءُ صَلَاتَهُ أَحَبُّ إلي" [٢٢]. [فـ]ـكأنَّ الوَجْه أَنْ يَقُوْلَ: أَنْ يَبْتَدِيءَ صَلَاتَهُ أَحَبُّ إِلَيَّ، كَقَولهِ [تَعَالى] (١): {وَأَنْ تَصُومُوا} وَقَدْ تَقَدَّم.
(١) سورة البقرة، الآية: ١٨٤.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute