للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فِي قَوْلهِ (١):

إِلَى المَلِكِ القَرمِ وابْنِ الهمـ ... ـام وَلَيثُ الكَتِيبَةِ في المُزْدَحَم

أَرَادَ: ابنَ الهُمَامِ، لَيثَ الكَتِيبَةِ، وهذَا غَيرُ صَحِيح؛ لأنَّ هذَا إِنَّمَا يَأْتِي في الصِّفَاتِ كَقَوْلكَ: مَرَرْتُ بِزَيد العَاقِلِ والظَّرِيفِ والكَرِيمِ، وجَاز ذلِكَ؛ لأنَّ كُلَّ صِفَةٍ تُفِيدُ مَا لَا تُفِيدُ الثَّانِية، وَلَا خِلافَ بَينَ النحويِّينَ أَنّكَ لَوْ قُلْتَ: مَرَرتُ بِزَيدٍ وَزَيدٍ وَهُمَا شَخْصٌ وَاحدٌ لَمْ يَجُزْ. وَقَال قَوْم: دُخُوْلُ الوَاو هُنَا لَا تَدُلُّ على أَنّها غَيرُ الوُسْطَى كَمَا لَمْ تَدُلَّ الوَاوُ في قَوْلهِ [تَعَالى] (٢): {فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ (٦٨){وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَال} (٣) عَلَى أَنّهُمَا لَيسَا مِنَ المَلائِكَةِ، وَعَلَى أَنَّ النَّخْلَ والرُّمَّانَ لَيسَا مِنَ الفَاكِهةِ، وَإِنَّمَا هذَا عَلَى سَبِيلِ الإشَارَةِ والتّعظِيمِ. وَالعَرَبُ تَخُصُّ الشَّيءَ بالذِّكْرِ تَنْويهًا بِهِ، وتَعْظِيمًا لِقَدرِهِ. ويُقَوِّيّ هذَا أَنَّ الصَّلَوَاتِ في الآيَةِ قَدْ دَخَلَتْ فِيها الصَّلاةُ الوُسْطَى [وَخَصَّ] الصَّلاةَ الوُسْطَى تَنْويهًا لَها، ثُمَّ أَعَادَ ذِكْرَها مَرَّة أُخْرَى، بِقَوْلهِ: "وَصَلاةِ العَصرِ" تأَكِيدًا لِلْمَثُوْبَة.

- وَ"الوُسْطَى": فُعلَى من التَّوَسُّط بينَ الشَّيئَينِ، وعَلَى هذَا تكُوْنُ كُلُّ


(١) البيتُ مَجْهُوْلُ القَائِلِ، وأَنْشَدَ بَعْدَهُ الفَرَّاءُ في معاني القرآن (١/ ١٠٥، ٢/ ٥٨):
وَذَا الرَّأيِ حِينَ تُغَمَّ الأمُوْرُ ... بِذَاتِ الصَّلِيلِ وَذَاتِ اللُّجُم
وكَذَا هُمَا في الإنْصَاف لابن الأنْبَارِي (٤٦٩)، والخِزَانة (١/ ٢١٦)، ويُراجع الشَّاهد في: تفسير القُرطبي (١/ ٣٩٩)، والدُّرُّ المَصُون (١/ ٩٧)، والفُصُول المفيدة (١٤١)، وكرره في الخِزَانة (٢/ ٣٣١، ٥٣٤).
(٢) سورة الرحمن.
(٣) سُورة البقرة الآية: ٩٨.