للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

{يَبْنَؤُمَ} (١): إِنَّمَا قَال ذلِكَ تَوَدُّدًا وتَلَطُّفًا؛ لإزَالةِ غَضَبِ عَلَى مَا جَرَتْ بهِ العَادَةُ، وَلم يَكُنْ مُوْسَى ابنَ أُمِّهِ، وإِنَّمَا خَصُّوا الأمَّ بِهذَا دُوْنَ الأبِ؛ لأنَّ مَنْزِلَتها عِنْدَ الابنِ ألْطَفُ، وَالابنُ إِلَيها أَميَلُ؛ لأنَّها وَضعَتْهُ كُرهًا، وَوَضَعَهُ الأبُ شَهْوَةٌ، وَعَلَى هذَا يَجْرِي كَلامُ العَرَبِ، قَال أَبُو زبيدٍ الطَّائِيُّ (٢):


(١) سورة طه، الآية: ٩٤.
(٢) هو حَرملةُ بنُ المُنْذِرِ، شاعرٌ نَصرَاني، أَدرَكَ الإسْلامَ وفي إِسْلامِهِ شَك، قَال الحَافِظُ ابنُ حَجَرِ في الإصَابَةِ: زَعَمَ الطبَري أَنه أَسْلَمَ، واسْتَدل بِزِيَارَتهِ لعُمَرَ وعُثْمَان، وبِأنَّ الوَليدَ بنَ عُقْبَةَ أَوْصَى أَن يُدفَنَ إلى جَنْبِهِ، قَال الحَافِظُ: قُلْتُ: وَلَا دِلالةَ في شَيء مِنْ ذلِكَ عَلَى إِسْلامِهِ أقُوْل: اسْتَعمَلَهُ عُمَرَ على صَدَقَاتِ قَوْمِهِ. وهذَا مَعَ مَا سَبقَ قَرِينَةٌ قَويةٌ عَلَى أنّه أَسْلَمَ. أَخْبَارُهُ في: الأغَانِي (١٢/ ١٢٥)، والإصابة (٢/ ١٧١)، والخِزَانة (٢/ ١٥٢، ١٥٣، ٤/ ٣٠٩)، جَمَعَ شِعرهُ الدُّكْتُور نُورِي حَمودي القيسِي ونشره في بغداد سنة (١٩٦٧ م) ثم أعاده في "شعراء إسلاميون". شعره (٤٨)، والبَيتُ بِتَمَامِهِ:
يا بْنَ أمِّي وَيَا شُقَيِّق نَفْسِي ... أَنْتَ خَلِّيتَنِي لِدَهْرٍ شَدِيدِ
هذهِ رِوَايَةُ كُتُبِ النحو وَاللُّغَةِ، وَأَغْلَبَ مَصَادِر التَّخْرِيجِ. وَرِوَايَةُ الدِّيوَانِ هكَذَا:
يَا بْنَ حَسْنَاءَ شِقَّ نَفْسِيَ يَا لجـ ... ـلاجَ أَنْتَ خَليتَنِي لِدَهر شَدِيدِ
ويُرْوَى صَدرُه أَيضًا:
* يَا بْنَ حَسْنَاء يَا شُقَيق نَفْسِي *
مِنْ قَصِيدَةٍ يُرثى بها ابنَ أُخْتِهِ اللَّجْلاجُ الذي مَاتَ عَطَشًا في طَرِيقِ مَكة، وكَان من أَحَب النَّاسِ إليه، وهي من المَرَاثِي المَشهورَةِ، اخْتَارَها المُبَردُ واليَزِيدي والقُرَشِي وغَيرهُم من جُمَاعِ المَرَاثِي، أولها:
إِن طُوْلَ الحَيَاةِ غَيرُ سُعُوْدٍ ... وَضَلالٌ تأميلُ نَيلِ الخُلُوْدِ
عُلِّلَ المَرءُ بالرَّجَاءِ ويُضْحِي ... غَرَضًا لِلْمَنُوْنِ نَصبَ العُوْدِ
كُل يَوْمٍ تَرمِيهِ مِنْها بِرَشْق ... فَمُصِيب أَو صَافَ غَيرَ بَعِيدِ =