للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مَوْضِعَ المَفْعُوْلاتِ، كَقَوْلهِمْ: دِرْهَمٌ ضَرْبُ الأمَيرِ، وَثَوْبٌ نَسْجُ اليَمَنِ.

- قَوْلُهُ: "فَرَأيتُ أَكْثَرَ أهْلِهَا النِّسَاءَ" [٢٤]. هَذِهِ حُجَّةُ مَنْ يَرَى الرُّؤْيَةَ -ههنَا- رُؤْيَةَ عِلْمٍ؛ لأنَّه عَدَّى الرُّؤْيَةَ إلى مَفْعُوْلَينِ، وَرُؤْيَةُ العَينِ إِنَّمَا تَتَعَدَّى إِلَى مَفْعُوْلٍ وَاحِدٍ، والَّذِي عَلَيهِ مَشْيَخَةُ أَهْلِ السَّنة أَنَّهَا رُؤْيَةُ عَينٍ.

فَإِنْ قِيلَ: كَيفَ يَصِحُّ ذلِكَ، والكَلامُ لَا يَصِحُّ بِذِكْرِ المَفْعُوْلِ [الأوَّلِ] دُوْنَ الثَّانِي؟ فَفِي ذلِكَ وَجْهَانِ:

أحَدُهُمَا: أَنْ تَكُوْنَ الرُّؤْيَةُ ههُنَا بِمَعْنَى الظَّنِّ وَالحُسْبَانِ لَا بِمَعْنَى العِلْمِ؛ لِأَنَّ رُؤْيَةَ القَلْبِ تَنْقَسِمُ ثَلاثَةَ أَقْسَامٍ؛ تَكُوْنُ بِمَعْنَى العِلْمِ، وتَكُوْنُ بِمَعْنَى الظَّنِّ والحُسْبَانِ فَتَعَدَّى في هَذَينِ الوَجْهَينِ إِلَى مَفْعُوْلَينِ، ويَكُوْنُ بِمَعْنَى الاعْتِقَادِ فَتَتَعَدَّى إِلَى مَفْعُوْلٍ وَاحِدٍ، والشَّاهِدُ عَلَى ذلِكَ قَوْلُهُ [تَعَالى] (١): {إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا ... } الآية، أَي: يَظُنُّونَهُ بَعِيدًا وَنَعْلَمُهُ قَرِيبًا، والرُّؤْيَةُ الَّتِي بِمَعْنَى الاعْتِقَادِ قَوْلُكَ: فُلانٌ يَرَى رَأْيَ مَالِكٍ، أَوْ رَأَيَ أَبِي حَنِيفَةِ، وَمِنْهُ قَوْلُ السَّمَوْأَلِ (٢):

وَإِنَّا لَقَوْمٌ مَا نَرَى القَتْلَ سُبَّةً ... إِذَا مَا رَأَتْهُ عَامِرٌ وَسَلُوْلُ

تأوَّلَهُ ابنُ جِنِّي (٣) عَلَى مَعْنَى الاعْتِقَادِ؛ [إِذْ] إِنَّ العِلْمَ لَا يَخْتَلِفُ، إِنَّمَا تَخْتَلِفُ


(١) سورة المعارج.
(٢) في ديوانه، وتُنْسَبُ القَصِيدَةُ الَّتِي منها الشَّاهِدُ إلى عَبْدِ المَلِكِ بنِ عَبْدِ الرَّحِيمِ الحَارثيُّ. وَقَدْ جَمَعَ شِعْرَ الحَارِثِيِّ هَذَا زكِي ذَاكِرِ العَانِي وطُبِعَ في بَغْدَاد سنة (١٩٨٥ م) والقَصِيدَةُ هُنَاك ص (٨٨) فما بَعدها.
(٣) رَأى ابنُ جِنِّي هَذَا في كتابه "التنبِيهِ على شَرْح مُشْكِلاتِ الحَمَاسَةِ" عِنْدَ ذِكْرِ القَصِيدَةِ التي مِنْهَا البَيتِ المَذكور، يُراجع الحماسة (٤٢) (رواية الجواليقي). وشرحها للمرزوقي =