للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

- وَقَوْلُهُ: "فَسَمِعُوا صَوْتًا يَقُوْلُ" [٢٧]. يَقُولُ: هَذَا كَلَامٌ خُرِّجَ عَلَى المَجَازِ؛ لأنَّ الصَّوْتَ لَا يَقُوْلُ، وإِنَّمَا القَائِلُ صَاحِبُ الصَّوْتِ، ومِثْلُهُ [قَوْلُهُ [تَعَالى] (١): {نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ [خَاطِئَةٍ (١٦)]} وإِنَّمَا الكَذِبُ والخَطَأُ لِصَاحِبِهَا، وحَسُنَ هَذَا؛ لأنَّ صَاحِبَ الصَّوْتِ لَمْ يَكُنْ مَحْسُوْسًا، وإِنَّمَا سُمِعَ الصَّوْتُ فَفُهِمَ مِنهُ غَرَضُ المُتَكَلِّمِ بِهِ فَصَارَ كَأَنَّهُ القَائِلُ.

- و [قَوْلُهُ: "كَانَ بالمَدِينَةِ رَجُلَان أحَدُهُمَا يَلْحَدُ والآخَرُ لَا يَلْحَدُ"] [٢٨]. يُقَال: لَحَدْتُ وأَلْحَدْتُ فَأَنَا أَلْحَدُ، وأُلحِدُ (٢) والقَبْرُ: مَلْحَدٌ من لَحَدَ، ومُلْحَدٌ من أَلْحَدَ كَمُدْخَل مِنْ أَدْخَلَ ومُخْرَجٌ من أَخْرَجَ، ومَدْخَلٌ من دَخَلَ. واللَّحْدُ: أَنْ يُمَال بالمَيِّتِ إلى أَحَدِ شِقَّي القَبْرِ. وَمِنْهُ: لَحَدَ الرَّجُلُ في الدِّينِ وأَلْحَدَ: إِذَا انْحَرَفَ عن طَرِيقِ الحَقِّ وعَدَلَ عَنْهُ. فَإِذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ مَيلٌ فَهُوَ الضَّرَيحُ، يُقَالُ: ضَرَحْتُ أَضْرَحُ، وَهُوَ مُشْتَقٌّ مِنْ ضَرَحَتْهُ الدَّابَّةُ بِرِجْلِهَا أي: دَفَعَتْهُ عَن نَفْسِهَا كَأَنَّ جَانِبَي القَبْرِ ضَرَحَا الميِّتَ أَنْ يَمِيلَ إِلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَصَارَ في وَسَطِهِ.

- وَقَوْلُهُ: "أيُّهُمْ جَاءَ أوَّلُ عَمِلَ عَمَلَهُ". كَذَا الرِّوَايَةُ بِضَمِّ "أَوَّلُ" وَهُوَ ظَرْفٌ بُنِيَ عَلَى الضَّمِّ لَمَّا قُطِعَ عَنِ الإصافَةِ، ويَجُوْزُ فيه النَّصْبُ والتَّنْوينُ إِذَا اعْتَقَدْتَ فِيه التَّنْكِيرَ وَلَمْ تَجْعَلْهُ مَعْرِفَةً فَتَقُوْلُ: جَاؤُا أوَّلًا، قَال مَعْنُ بنُ أَوْسٍ المُزنِيُّ (٣):

لَعَمْرِىَ مَا أَدْرِي وَإِنِّي لِأوْجَلُ عَلَى ... أَيِّنَا تَعْدُو المَنِيّةُ أَوَّلُ


(١) سورة العلق.
(٢) "فعلت وأفعلت" للزَّجاج (٨٣).
(٣) ديوانه (٩٣)، ويُراجع: المنصف (٣/ ٣٥)، والخِزَانة (٣/ ٥٠٥).