للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

- وَقَوْلُ الأَعْرَابِيِّ: "هَلَكَ الأَبْعَدُ" ولَمْ يَقُل: هَلَكْتُ؛ لأنَّه حرَّجَ نَفَسَهُ مَخْرَجَ مَنْ يُخَاطِبُهُ ويُكَلِّمُهُ، أَو يُخْبِرُ عَنْهُ عَلَى مَعْنَى المُبَالغَةِ (١)، كَمَا يَقُوْلُ الرَّجُلُ إِذَا عَنَّفَ نَفسَهُ: أَو لكَ يَا فَاسِقُ، لَقَدْ جِئْتَ بِعَارٍ يَا غَادِرُ، وَمِنْهُ قَوْلُ البَعِيثُ (٢):

* طَمِعْتُ بِلَيلَى أَنْ تَرِيع وَإِنَّمَا *

[ .... ] (٣) وأراد المُحْتَرِقُ بالأبْعَدِ. البَعِيدُ عن النَّجَاةِ أَو الصَّلَاحِ. ويَجُوْزُ أَنْ يَكُوْنَ من قَوْلهِم بَعِدَ يَبْعَدُ: إِذَا هَلَكَ، وهَذَا كَقَوْلِ العَرَبِ: أَخْزَى اللهُ الأبْعَدَ مِنَّا؛


(١) هو المسمى في علم البلاغة: التَّجريد كأَنَّه جرَّد من نفسه شخصًا وجه اللَّوْمَ إليهِ.
(٢) البَعِيثُ هذا لَقَبُهُ، واسمُهُ خِدَاش بنُ بِشْرِ بن لَبيدٍ المُجاشِعِيُّ التَمِيميُّ (ت ١٣٤ هـ) شاعرٌ أُمَويٌّ، عَاصَرَ الفَرَزْدَقَ وَجَرِيرًا، وكانَ مع الفَرَزْدَقَ ضِدَّ جَرِيرٍ فهو مثله مُجَاشِعِيٌّ حنظليّ. والبَعيثُ أخطبُ بَني تميمٍ كما يقول الجاحظ في "البيان والتَّبيين" هاجى جَرِيرًا نَحْوًا من أربعين سَنَة. ولُقِّبَ البَعِيثُ بِبَيتٍ قَالهُ، وهو:
* تَبَعَّثْتَ مِنّي مَا تَبَعَّثْتَ بَعْدَمِا *
أي: أَنه قَال الشّعْرَ على كِبَرٍ. أخباره في البيان والتَّبيين (١/ ٤٥)، والأغاني (٨/ ١٦)، والشِّعر والشُّعراء (١/ ٤٠٥)، ومعجم الأدباء (١١/ ٥٢)، وضبطه الحافظ ابن حجر في نزهة الألباب في الألقاب (١/ ١٢٦)، بقوله: "بفتح أوله وكسر المهملة ثم تحتانية؛ ساكنة ثم مُثلَّثةٌ، شاعرٌ مشهور من بني تميم". جمع شعره الدُّكتور ناصر رشيد محمَّد حسين ونشره في مجلة كلية الآداب في جامعة البصرة، العدد (١٤)، السَّنة الثَّانية عشرة. والبيتُ في شعره (١٥) وهو بتمامه:
طَمعْتُ بِلَيلَى أَن تَرِيع وإِنَّمَا ... تُقَطَّعُ أَعْنَاقَ الرِّجِالِ المَطَامِعُ
وَبَايَعتُ لَيلَى في الخَلَاءِ وَلَمْ يَكُنْ ... شُهُوْدٌ عَلَى لَيلَى عَذولٌ مَقَانَعُ
وتخريجه هُنَاك.
(٣) بياضٌ في الأصل بقدر خمس كلمات كتب الناسخ في طرتها: "في الأصل هنا بياض".