للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والثَّالِثُ. أَنَّ العَرَبَ تُسَمِّي الأخلَاقَ الرَّدِيئَةَ والعَادَاتِ السَّيئةَ شَيَاطِينَ وَجِنًا، ودُهَاةَ الرِّجَالِ. جِنًّا وَشَيَاطِينَ. والتَّصفِيدُ يُسْتَعْمَلُ مَجَازًا وَحَقِيقَةً فالحَقِيقَةُ قَدْ تَقَدَّمَتْ، وَمَجَازًا كَقَوْلهِ تَعَالى (١): {فِي أَعْنَاقِهِمْ أَغْلَالًا}. والمَجَازُ: يَكُوْن بِمَعْنَى المَنْعِ مِنَ الشَّيءِ والرَّدْعِ عَنْهُ، وكَذْلِكَ الغِلُّ والسِّلْسِلَةُ يُسْتَعْمَلَانِ حَقِيقَةً وَمَجَازًا كَقَوْلهِ تَعَالى: {فِي أَعْنَاقِهِمْ أَغْلَالًا} وَقَوْلهِ [تَعَالى] (٢): {غُلَّتْ أَيدِيهِمْ} وقَال أَبُو خِرَاشٍ (٣):

* ولكِن أَحَاطَتْ بالرِّقَابِ السَّلَاسلُ *

أَرَادَ بالسَّلَاسلِ: حُدُوْدَ الإسْلَامِ المَانَعَةِ مِنَ التَّعَدِّي (٤). وهَذِهِ الثَّلَاثَةُ الأصْنَافُ مِنَ الشَّيَاطِينِ مَكْفُوْفَةٌ وفي رَمَضَان عَلَى الأغلَبِ مِنْ أَمْرِ النَّاسِ والأعَمِّ لَيسَ لَهَا من التَّسَلُّطِ فِيهِ مَا لَهَا في غَيرِهِ.

وَالنَّاسُ ثَلَاثَةُ أَصنَافٍ؛ صِنْفٌ مُخْلِصٌ لا سُلْطَانَ لِلشَّيطَان عَلَيهِم في رَمَضَان ولَا في غَيرِهِ. وصِنْفٌ فُسَّاقٌ مُسْتَهْزِؤُوْنَ (٥) يَكُفُّوْنَ خَوْفًا مِنَ الحُدُوْدِ وَرِيَاءَ النَّاسِ.

وَصِنْفٌ غَيرُ مُسْتَهْزئينَ يَطمَعُوْنَ في رَمَضَان بالتَّوْبَةِ وأَنْ يُكَفرَ صَوْمُهُم رَمَضَانَ ذُنُوبَهُم فيُقْلِعُوْنَ بَعْضَ الإِقْلَاع ويَلْزَمُوْنَ الصَّلَوَاتِ فَلَيسَ للشَّيَاطِين مِنَ القُوَّة في رَمَضان والتَّأثِيرِ مَا لَهَا في غَيرِه، وَقَدْ قَال - عليه السلام -: "سُدُّوا مَحَارِبَهُ بِكَثرةِ الصَّوْمِ".


(١) سورة يس، الآية: ٨.
(٢) سورة المائدة، الآية: ٦٤.
(٣) شرح أشعار الهُذليِّين (١٢٢٣)، من قصيدة في قَتل زهير بن العجوة، وصدره:
* فَلَيسَ كَعَهْدِ الدَّارِ يَا أمَّ مالكٍ *
(٤) في شرح أشعار الهذليِّين: أراد الإِسلام أحاط برقابنا فَلَا نَستطيع أن نَعْمَلَ شَيئًا.
(٥) في الأصل: "مُستهزئين".