للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أَحَدٌ" وفي بَعْضِهَا: "إِلَّا أَحَدًا" وَهُو لَفْظٌ مُسْتنكَرٌ في كِلتا (١) الرِّوَايَتينِ؛ لأنَّكَ إِذَا رَفَعْتَهُ لَزِمَكَ أَنْ تُبْدِلَهُ مِنَ الضَّمِيرِ الَّذِي في "تَلْبَسُوْا" وضَمِيرُ المُخَاطَبِ لَا يَجُوْزُ أَنْ يُبْدَلَ مِنْهُ الظَّاهِرُ إلَّا أَنْ يَكُوْنَ بَدَلَ بَعْضٍ مِنْ كُلٍّ، أَوْ بَدَلَ اشْتِمَالٍ، فَلَا يَجُوْزُ أَنْ يُقَال: ادْخُلُوا الزَّيدُوْنَ وَلَا يُقَالُ: لَا يَقُوْمُوا غِلْمَانَ زَيدٍ، عَلَى أَنَّ الأخْفَشَ (٢) قَدْ قَال في قَوْلهِ [تَعَالى] (٣): {لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا رَيبَ فِيهِ الَّذِينَ} إنَّ {الَّذِينَ} بَدَلٌ مِنَ الضِّمِيرِ في {لَيَجْمَعَنَّكُمْ} وهَذَا عِنْدَ جَمِيع أَصحَابِهِ خَطَأ. وَمَجَازُ هَذِهِ الرِّوايةِ: أَنْ يَكُوْنَ أَحَدٌ بَدَلًا مِنَ الضِّمِيرِ في قَوْلهِ: "لَا تَلْبَسُوا" حَمْلًا عَلَى مَعْنَى الكَلامِ لَا عَلَى لَفْظِهِ؛ لأنَّه إِذَا قَال: لَا تَلْبِسُوا فَمَعْنَاهُ: لَا يَلْبِسُ أَحَد، وضَمِيرُ الغَائِبِ يَجُوْزُ أَنْ يُبْدَلَ مِنْهُ الظَّاهِرُ، عَلَى هَذَا أَجَازَ عِيسَى بنُ عُمَرَ ادْخُلُوا الأوَّلُ فالأوَّلُ بالرَّفعِ؛ لأنَّ مَعْنَاهُ: لِيَدْخُلَ الأوَّلُ فَالأوَّلُ. وأَجَازَ سِيبَوَيهِ عَلَى نَحْو هَذَا التّأويلِ. وأَمَّا مَنْ رَوَى: "إلَّا أَحَدًا" فَالوَجْهُ فيه أَنْ يَكُوْنَ "أَحَد" ههنَا بِمَعْنًى وَاحِدٍ المُسْتَعْمَلِ في قَوْلهِمْ: أَحَدَ عَشَرَ، وَ [قَوْلُهُ تَعَالى] (٤): {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (١)} لأنَّ أَحَدًا هَذَا يَقَعُ في الإيجَابِ والنَّفْيِ. وأَمَّا أَحَد المُسْتَعْمَلُ في قَوْلهِمْ: مَا جَاءَنِي أَحَد فَلَا يُسْتَعْمَلُ إلَّا في النَّفْي دُوْنَ الإيجَابِ، وَلِذلِكَ قَال النَّحْويُّوْنَ في قَوْلِ ذِي الرُّمَّةِ (٥):


(١) في الأصل: "كلى".
(٢) معاني القرآن للأخفش (١/ ٢٩٣)، وَنَقَلَ هَذَا النَّصَّ عن الأخفش أكثرُ المُعْرِبِينَ.
(٣) سورة الأنعام، الآية: ١٢.
(٤) سورة الإخلاص.
(٥) ديوانه (١٦٣) من قصيدة يمدح بها عُمَرَ بنَ هُبَيرَةَ الفَزَارِيَّ أولها: =