للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

قَال دَاوُدُ (١): العَوْدَةُ هِيَ إِلَى القَوْلِ، وَلَا يَلْزَمُ الظِّهَارُ عَنْهُ حَتَّى تُنْكِرَ حَدَّ القَوْلِ بِهِ مَرَّتَينِ، وَ"مَا" مَعَ مَا بَعْدَهَا فِي تأْويلِ المَصْدَرِ، أَي: يَعُوْدُوْنَ لِلْقَوْلِ، كَمَا يُقَالُ: أَعْجبَني مَا فَعَلْتَ، أَي: فِعْلَكَ، والعَوْدَةُ عِنْدَ مَالِكٍ: الإجْمَاعُ عَلَى الإمْسَاكِ والوَطْئِ، وَذلِكَ أَنَّ العَرَبَ تُقِيمُ المُصَادِرَ تَارَةً مَقَامَ المَفْعُوْلِ، وَتَارَةً مَقَامَ الفَاعِلِ فَيقُوْلُوْنَ: دِرْهَم ضرْبُ بَلَدِ كَذَا، وَثَوْب نَسْجُ اليَمَنِ، وَرَجُلٌ صَوْمٌ وَرِضًى وعَدْلٌ، أَي: مَضْرُوْبٌ، ومَنْسُوْجٌ، ومَرْضِيٌّ، وعَادِلٌ وَصَائِم، فَإِذَا ثَبَتَ هَذَا كَانَ القَوْلُ في الآيةِ وَاقِعًا مَوْقع المَقُوْلِ، فَصَارَ التقْدِيرُ: ثُمَّ يَعُوْدُوْنَ لِوَطْئِ المَقُوْلِ فِيهِ الظِّهَارُ، أَو الإمْسَاكُ المَقُوْلُ فِيهِ الظِّهَارُ. وَفِيهِ وَجْهٌ آخَرُ أَنْ تكوْنَ "مَا" في قَوْلهِ: "لِمَا" بِمَعْنَى "مَنْ" الَّتِي تَقَعُ لِمَنْ يَعْقِلُ فِي قَوْلهِ [تَعَالى] (٢): {مَا طَابَ لَكُمْ} وَ"سُبْحَانَ مَا سَبَّحَ الرَّعْدُ بِحَمْدِه" (٣). فَيَكُوْنُ التقْدِيرُ عَلَى هَذَا: ثُمَّ يَعُوْدُوْنَ لِمَا قَالُوا فِيهِ الظِّهَارَ أَي: الوَطْئُ أَوْ إِمْسَاكُهُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنَ الحَذْفِ


(١) هوَ صَاحِبُ المَذْهبِ دَاوُد الظَّاهريُّ، واسمُهُ دَاوُدُ بنُ عَلِي بنِ خَلَفٍ الأصْبَهَانِي، أَبُو سُلَيمَانَ (ت ٢٧٠ هـ). أَخْبَارُهُ في: تاريخ بغداد (٨/ ٣٦٩)، وطبقات الفُقَهَاء (٩٢)، وسير أَعْلام النُّبلاء (١٣/ ٩٧)، وشذرات الذهب (٢/ ١٥٨).
(٢) سورة النساء، الآية: ٣.
(٣) في "الاقْتِضَابِ" لليَفْرنيِّ: وَقَوْلُ العَرَبِ: "سُبْحَان مَا سَبَّحَ ... " وفي أَحَادِيث المُوَطَّأ (٢/ ٩٩٢) بابُ القَوْلِ إِذَا سَمِعْت الرَّعْدَ، حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَن عَامِرٍ، عَن عَبْدِ اللهِ بنِ الزُّبَير: أنَّه كَانَ إِذَا سَمِعَ الرَّعْدَ تَرَكَ الحَدِيثَ وَقَال: "سُبْحَانَ الَّذِي يُسَبِّحُ الرَّعدُ بِحَمْدِهِ والملائكةُ مِنْ خِيفَتِهِ". وللحَدِيثِ رِوَايَات كثيرة، وَهُنَاكَ أَحَادِيثُ أُخرُ، ولم أَجِدْ فيها: "مَا يُسَبِّح"، ولم يُورده المؤلِّفُ على أَنَّه حَدِيث. وَجَاءَ في تفسير ابن جرير الطبري (١٦/ ٣٨٨ - ٣٩٠): أحاديث وآثار بهذا اللَّفظ وليس فيها "ما سَبَّح لما وفيها "الَّذي" و"من".