للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الصَّبِيَّ وَهِيَ حَامِلٌ، أَوْ يَطَأَها الرَّجُلُ وَهِيَ ترضِعُ، يُقَالُ: أَغَالتِ المَرأَةُ وأَغْيَلَتْ، ويُقَال لِذلِكَ اللَّبَنُ الغَيلُ، ويَكُوْنُ الغَيلُ أَيضًا الرَّضَاعَ. ويَزعُمُ الأطِبَّاءُ أَنَّ ذلِكَ اللَّبَنَ مُضر بالمَوْلُوْدِ. وكَانَتِ العَرَبُ تَنْهى [عَن] ذلِكَ، ويُعَيِّرُ بِهِ بعضُهُم بَعضًا. وَحُكِيَ عَنْ بعضِهِم (١): "إِنه ليُدرِكَ الفَارِسُ فَيدعثِرُهُ عَن فَرَسِهِ"، أَي: يَضرَعُهُ، وَفِي تَأبِينِ تأبَّطَ شَرًّا: " ... وَلَا سَقَيتُهُ غَيلًا" (٢).


(١) غَرِيبُ الحَدِيثِ لأبي عُبَيدٍ (٢/ ١٠٠)، قَال: "قَال أبُو عُبَيدٍ: بَلَغَنِي قَال أَبُو عُبَيدَةَ واليَزِيديُّ -وأَظُنُّ الأصمَعِي- وغَيرُهُم قَوْلُهُ الغَيلَةُ: هُوَ الغَيلُ، وذلِكَ أَنْ يُجَامِعَ الرَّجُلُ المرأَةَ وَهِيَ مُرضِعٌ، يُقَالُ مِنْهُ: قَدْ أَغَال الرَّجُلُ وأَغَيَلَ، والوَلَدُ مُغَال ومُغِيلٌ، وأَنْشَدَنِي الأصمَعِي بيتَ امرِئُ القَيسِ [دِيوَانُهُ: ١٢]:
فَمِثْلِكِ حُبْلَى قَد طَرَقْتُ ومُرضِع ... فَألهيتُها عَنْ ذِي تَمَائِمَ محولِ
وَمِنْهُ الحَدِيث الآخر: "لَا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُم سِرًّا إِنَّه ليُدرك الفَارِس فَيُدَعثِرُهُ" والعَرَبُ تَقُوْلُ في الرَّجُلِ تَمدَحُهُ: "مَا حملتُهُ أُمُّه وضْعًا، ولا أَرضَعَتْهُ غَيلًا، ولا وَضَعَتْهُ يَتَنًا، ولا أَبَاتَتْه مِثِقًا".
ثُمَّ فَسَّرَ أَبُو عُبَيدٍ -رحمه الله- الحَدِيثَ وَقَوْلُ العَرَبِ لفظةً لَفْظَة فليُرَاجَع هُنَاك، وإِنَّمَا أَوْرَدَت كَلامَ أَبي عُبَيدٍ لتَوضِيح قَوْل المؤَلِّف: "حَكَى بَعضُهُمُ" وَهُوَ حَدِيث عَن النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - كَمَا تَرَى؟ ! وهو في سنن أَبِي دَاوُد، ومُسْنَد الإمَام أَحمَد، وغيرهما. وفيه أَيضًا: تكملةُ ما أُثِرَ عَن العَرَبِ من قولهم: "ولا سَقَيتُهُ غَيلًا" وأَنه سَجْع له بقية، وزَادَ اليَفْرنيُّ: قَال الشَّاعِرُ:
فَوَارِسَ لَم يُغَالُوا في رَضَاعٍ ... فَتنبُوا عَنْ أَكُفِّهِمُ السيُوْفُ
وَلِلْيَفْرُنيِّ كَلامٌ جَيد حَوْلَ هذِهِ المسألَةِ لَوْلَا خَشْيَةُ الإطَالةِ في الهامِشِ لأوْرَدتُهُ، فَلْيُرَاجَع هُنَاك، ويُراجَع: التَّمهِيد (١٣/ ٩٢)، وفيه فوائد، وروايةُ بَيتِ امرئ القَيس فيه "عن ذي تَمَائِمِ مُغِيلِ" وَهُوَ مَوْضِع الشَّاهد، ولا شَاهِد فيه على رِوَايَةِ أَبِي عُبَيدٍ لِمَا أَرَاد، فَلَعَلَّه خَطَأ من النُّسَّاخِ.
(٢) وَرَدَ في اللِّسَان عَلَى أَنه جُزْءٌ مِنْ بَيتِ شعرٍ، وَلَيسَ كَذلِكَ، جَاءَ في تَهْذِيبِ اللُّغَة (٨/ ١٩٤)، وقَالت أُمُّ تَأبًّطَ شَرًّا تُؤَبِّنُهُ بعدَ مَوْتهِ: والله مَا أَرضَعْتُهُ غَيلًا، والتّأبينُ: ذِكْرُ مَحَاسِنِ المَيِّتِ والثناءُ عَلَيهِ. وَإِذَا كَانَ ذلِكَ شِعرًا فَهُو رَثَاءٌ.