للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَزَعَمَ سِيبَويه أنه لَا يُقَالُ أَجْرَاحٌ (١) وأَجَازَهُ غَيرُهُ.

- وَ [قَوْلُهُ: "تقَعُ فِيهِ العَقْلُ عَلَيهِ"]. في تَسْمِيَتِهم الدِّيَةُ عَقْلًا قَوْلانِ:

- قِيلَ (٢): لأنَّ الإبِلَ كَانَتْ تُجْمَعُ وتُعقَلُ بِفِنَاءِ وَليِّ المَقْتُوْلِ، أَي: تُشَدُّ قَوَائِمُها بالعُقُلِ، والعُقُلُ -في الحَقِيقَةِ- إِنَّمَا هُوَ مَصدَرٌ مِنْ عَقَلْتُ البَعِيرَ وَغَيرِهِ عَقْلًا، ثُمَّ سُمِّيَ المَعقُوْلُ عَقْلًا بالمَصدَرِ كَمَا قَالُوا: دِرهمٌ ضَربُ بَلَد كَذَا أَي: مَضْرُوْبُ، ثُمَّ سُمِّيَ مَا يُؤخذُ مَكَانُ الإبِلِ مِنْ ذَهبٍ ودَرَاهِمَ عَقْلًا، عَلَى مَذْهبهم فِي تَسْمِيَةِ الشَّيء باسْمِ الشَّيءِ إِذَا كَانَ مِنْهُ بِسَبَبٍ.

- وَالقَوْلُ الثَّانِي: لأنَّها تَعقِلُ الأيدِي؛ أَي تكفُّها عَنِ الاسْتِطَالةِ والتَّعَدِّي، فَفِي هذَا القَوْلِ مَجَازٌ وَاحِدٌ، وَهُوَ تَسْمِيَةُ مَا لَيسَ مَصدَرًا بالمَصدَرِ، وَفِي القَوْلِ الأوَّلِ مَجَازَانِ، تَسْمِيَةِ مَا لَيسَ [مَصدَرًا] بِمَصدَرٍ، وَنَقْلُ الاسْمِ عَنْ مَا يَعقِلُ إِلَى مَا لَا يعقِلُ، والعَقْلُ فِي هذَا القَوْلِ مَصدَرٌ وَقَعَ مَوْح المَفْعُوْلِ كالنَّسْجِ


(١) الكِتَاب (٢/ ١٨٠، ١٩٠)، وفي الصحَاحِ للجَوْهرِي (جرح): "وَلَم يقُوْلُوا: أَجْرَاحٌ إلَّا مَا جَاءَ في شعرٍ"، وفي اللسَان (جَرَحَ): نَقَل كَلام الجَوهرِي هذَا وَزَادَ عَلَيهِ قَوْلُه: "وَوَجدت في حَواشي بَعضِ نُسَخِ "الصِّحَاح" المَوْثُوقِ بِها: قَال الشيخُ -وَلَم يُسَمهْ- عني بذلِك قَوْلهُ:
وَلَّى وصَرَّعنَ مِنْ حَيثُ الْتبَسْنَ بِهِ ... مُضَرَّجَات بِأَجْرَاحٍ وَمَقْتُوْلُ
وَقَال: "وَهُوَ ضَرُوْرَة كَمَا قَال مِنْ جِهة السَّمَاع". ثُم رَأَيت في "تَاجِ العَرُوْس" فِي هذَا المَوْضِع النَّقْل عن اللسَان وفيه: "قولُ عَبْدَةَ بنِ الطبِيبِ"، ورَاجَعت شِعر عَبْدَة الذي جَمَعَهُ الدُّكْتُور يَحيَى الجَبُوْري ونَشَره في بغداد سنة (١٣٩١ هـ) فَإِذَا فيه البَيت المَذْكُور (٧٠) ضمن قَصِيدَةِ هي من أَجْوَد شعره، اختارها ابنُ مَيمُون في مُنْتَهى الطلَب ورقة (٩٢). أَوَّلها:
هلْ حَبْلُ خَوْلَةَ بَعدَ الهجْر مَوْصُوْلُ ... أَم أَنْتَ عَنْها بَعِيدَ الدَّارِ مَشْغُوْلُ
(٢) المعنى الأوَّل في اللّسان (عَقَلَ) ... وغيره.