للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

{ذَلِكَ} بأَعيَانِهم فَكَانَ يَجِبُ أَنْ يُقَال "ذلِكُم" وَفِي الحَدِيثِ: "تلْكُم". كَمَا قَال تَعَالى. (١) {ذَلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ} وَلَكِنَّ العَرَبَ تَفْعَلُ هذَا بـ "ذلِكَ" خُصُوْصًا دُوْنَ غَيرِهِ، وعَلَى المَعنَى قَال: "فَأمَرَ أبان بنُ عُثْمَانَ (٢) بِتِلْكِ الرَّقِيقِ فَقُسِمَتْ". فإِنْ قِيلَ: لَعَلَّهُ أَرَادَ نِسَاءً فَلِذلِكَ أَنّثَ؟ . قِيلَ: يمنَعُ مِنْ هذَا التَّوَهُّم قَوْلُهُ: "ثُمَّ أَسْهمَ عَلَى أَيِّهِم" فَذَكَّرَ الضَّمِيرَ، وَلَم يَقُلْ "أَيِّهُنَّ"، وَكَذلِكَ قَوْلُهُ: "فَيَعتِقُوْنَ" وَلَم يَقُلْ: "فَيَعتِقْنَ". فَإِنْ قِيلَ: فِي قَوْلهِ: "تِلْكَ" إِشَارَةٌ إِلَى حَاضِرٍ مُشَاهدٍ والعَبِيدُ المَذْكُوْرُوْنَ غَيبٌ فَكَيفَ جَازَ ذلِكَ؟ . فالجَوَابُ: أَنَّ العَرَبَ تُجْرِي الشَّيءَ إِذَا وَرَدَ ذِكْرُهُ فِي لَفْظِ المُتكلِّمِ مُجْرَى مَا قَدْ حَضَرَ شَخْصُهُ، فَيَقُوْلُ القَائِلُ مِنْهُم: لَقِيتُ رَجُلَّا فقَتَلْتُهُ، وَكَانَ هذَا الرَّجُلُ مِنْ بني تَمِيم، أَوْكَانَ ذلِكَ الرَّجُلُ مِنْ بني تَمِيم، وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ تَعَالى (٣): {ذَلِكَ الكتاب} إِشَارَةً إلَى الكِتَابِ الَّذِي كَانُوا وُعِدُّوَا بِهِ في كُتُبِ اللهِ القَدِيمَةِ، وَقَوْلُهُ تَعَالى (٤): {هَذَا مِنْ شِيعَتِهِ وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ} أَجْرَى مَا (٥) جَرَى ذِكْرُهُ فِي الكَلامِ مَجْرَى الحَاضِرِ، وَقَد يُشَارُ أَيضًا إِلَى الشَّيءِ المُتَوَقَّعِ المُنْتَظَرِ إِذَا قَرُبَ حُضُوْرُهُ فَيُجْرى مُجْرَى الحَاضِرِ فَيقالُ: هذَا


(١) سورة الممتحنة، الآية: ١٠.
(٢) أبانُ بنُ عُثمان بنِ عَفَّان، ابن الخَلِيفَةِ الرَّاشِدِ - رضي الله عنه - أَبُو سَعِيد الأمَويُّ، قال العِجلِيُّ: مَدَنِي، تَابِعِي، ثِقَةٌ مِنْ كِبَارِ التَّابِعِينَ. (ت ١٠٢ هـ) أَخْبَارُهُ في طَبقَاتِ ابن سَعد (٥/ ١٥٠)، وتَهْذِيب الكَمَالِ (٢/ ١٦).
(٣) سُورة البقَرَة، الآية: ٢.
(٤) سورة القصص، الآية: ١٥.
(٥) في الأصل: "أجرى مجرى".