للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُوْن "نَفْسَهَا" مَرْدُوْدَةً عَلَى الأُمِّ كَأَنَّهُ قَال: إِنَّ أُمِّي نَفْسَهَا افْتُلِتَتْ.

والثَّانِي: أَنْ يَكُوْنَ "افْتُلِتَتْ" بِمَعْنَى سُلِبَتْ، كَمَا يُقَالُ: سُلِبَ زَيدٌ ثَوْبَهُ فِي قَوْلِ مَنْ يَنْصِبَ الثَّوْبَ عَلَى أَنَّه مَفْعُوْلٌ ثَانٍ لِـ"سُلِبَ". وَمَنْ رَوَى: "افْتُلِتَتْ مِنْهَا نَفْسُهَا" فَلَيسَ في النَّفْسِ إلَّا الرَّفْعُ. وَرَوَاهُ بَعْضُهُمْ: "إِنَّ أُمِّي افْتَلَتَتْ"، وَكَذَا رَوَاهُ المُبَرِّدُ في "الكَامِلِ" (١).


(١) الكامل (١/ ٤٤٩)، وفيه: "افْتُلِتَتْ" ويُراجع: غريب أبي عبيد (٢/ ٢٣١)، والنِّهاية (٣/ ٤٦٧)، ومشارق الأنوار (٢/ ١٥٧)، وفي الاقتضاب لليَفْرَبي: "وَقَال أَبُو بَكْر بن شَاذَان: سَألتُ أَبَازَيدٍ النَّحْويَّ عن قَوْلِ عُمَرَ: "كَانَتْ بَيعَةُ أَبِي بَكْرٍ فَلْتَةً وَقَّى اللهُ شَرَّهَا" فقال: أَرَادَ كانت فُجَاءَةً، وأنشد:
* وَكَانَ مِيتَتُهُ افتِلاتَا *
وتَقُوْلُ العَرَبُ - إِذَا رَأَتِ الهِلال بغَيرِ قَصْدٍ إلى ذلِكَ - رَأَيتُ الهِلال فَلْتَةً، وَقَال خَالِدُ بنُ يَزِيد:
فَإِنْ تَفْتَلِتْهَا وَالخِلافَةُ تُفْتَلَت ... بِأكرَمِ عِلْقَي مَنْبَرٍ وسَرِيرِ
وَ"نَفْسَهَا" نَصْبٌ على المَفْعُولِ الثَّاني، وهو أكثر الرِّوايات. ويُروى برفع السِّين أيضًا قال الخَطَّابيُّ: يعني أُخِذَتْ نَفْسُهَا فُجَاءَةً، وبالوَجهين قيَّده جَمَاعةٌ من شُيُوخَنا. وذكر القُتَيبِيُّ: اقتُلتَتْ بالقاف، وهي كَلِمَةٌ تُقَالُ لمن مَاتَ فُجَأةً، والأولُ هو المَشْهُوْرُ". وَبَيتُ خالدِ بنِ يزيد في "الكامل" وغيره.
(فائدة): قَال القَاضِي عِيَاضٌ في المشارق (٢/ ١٥٧): "معناه مَا رُويَ عن سَالِمِ بنِ عَبْد اللهِ بنِ عُمَرَ، وَقَد سُئِلَ عن تَفْسِيرِ قَوْلِ عُمَرَ هَذَا فَقَال: كَانَ أَهْلُ الجَاهِلِيَّةِ يَتَحَاجَزون في الأَشْهُرِ الحُرُمِ، فَإِذَا كَانَتِ اللَّيلَةُ الَّتي يُشَكُّ فيها يَعْنِي آخِرَ لَيلَةٍ مِنَ الشَّهْرِ الحَرَامِ وَهِيَ لَيلَةُ ثَلاثِين، وَهِيَ تُسَمَّى عندهم (الفَلْتَةَ) ادغلوا فيها وَأَغَارُوا، يُرِيدُ: ويحتجُّون بأنَّها من الشَّهْرِ الحَلالِ الَّذِي بَعْدَهُ، وَأَنَّ الشَّهرَ الحَرَامَ كَانَ نَاقِصًا. قَال سَالِمٌ: فَكَذلِكَ كَانَ يَوْمَ مَوْتِ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَدغَلَ النَّاسُ من بين مدع إمارة، وَجَاحِدِ زكَاةٍ، فَلَوْلا اعتِرَاضُ أبي بَكْرٍ دُوْنَهَا كَانَتِ الفَضِيحَةُ، وَإِلَى هَذَا المَعْنَى ذَهَبَ الخَطَّابِي -رحمه الله- فَي تَفْسيرها؛ إِذْ كَانَ مَوْتِهِ بَعْدَ الأمْنِ في حَيَاتِهِ - صلى الله عليه وسلم - شبَه الفَلْتَةِ آخِرَ الشَّهْرِ".