للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

"لَكِنَّ" كَأَنَّهُ قَال: وَلَكِنَّكَ زَنجيٌّ"، وَكَذلِكَ أَخَوَاتُ "لكِنَّ". وَمَجَازُ مَنْ رَوَى: "وَلكِنِ البَائسُ سَعْدٌ": أَنْ يَكُوْنَ تَقْدِيرُهُ: ولَكِنِ البَائِسُ سَعْدٌ لَئِنْ مَاتَ بِمَكَّةَ.

وَ"قَوْلُهُ: "اللَّهُمَّ أَمْضِ لأصْحَابِي هِجْرَتَهُمْ"، الهِجْرَةُ: هَيئَةُ الهِجْرَانِ، كَالجِلْسَةِ والرّكْبَةِ، فَإِنْ أَرَدْتَ المَصْدَرَ قُلْتَ: هَجْرٌ وهِجْرَانٌ، وَإِذَا أَرَدْتَ الوَاحِدَ قُلْتَ: هَجْرَةٌ كَضَرْبَةُ، فَإِذَا جَعَلْتَهَا مِنِ اثْنَينِ قُلْتَ: هَاجَرَ الرَّجُلُ صَاحِبَهُ مُهَاجَرَةً. وأَمَّا الهِجْرَةُ المُسْتَعْمَلَةُ في الشَّرِيعَةِ (١) فَهِيَ بِكَسْرِ الهَاءِ لَا غَيرُ؛ لأَنَّ المُهَاجِرَ كَانَ يُرَادُ مِنْهُ أَنْ يَهْجُرَ قَوْمَهُ وَوَطَنَهُ وَيَفِدَ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ويَسْتَمِرَّ عَلَى ذلِكَ، وَالفِعْلُ إِذَا اسْتَمَرَّ وَدَامَ صَارَ خُلُقًا وَهَيئَةً، فَلِذلِكَ لَمْ يَجُزْ فِيهَا إِلَّا كَسْرُ الهَاءِ، وَيُقَالُ -أَيضًا-: مُهَاجَرَةً؛ لأنَّ المُؤْمِنَ يَهْجُرُ قَوْمَهُ وَيَهْجُرُهُ قَوْمُهُ، وَلذلِكَ سُمّيَتْ مُرَاغَمَةً؛ لأنَّ المُؤْمِنَ يُرَاغِمُ قَوْمَهُ بِتَرْكِهِ إِيَّاهُم فَهَدهِ الهِجْرَةُ في اللُّغَةِ. وَهِيَ - فِي الشَّرِيعَةِ - خَمْسَةُ أَقسامٍ:

الهِجْرَةُ الأُوْلَى إِلَى أَرْضِ الحَبَشَةِ، والثَّانِيَةُ إِلَى المَدِينَةِ، وَهِيَ المَذْكُوْرَةُ في حَدِيثِ سَعْدٍ، وَمِنْهَا قَال: "لَا هِجْرَةَ بَعْدَ الفَتْحِ" (٢).

والقِسْمُ الثَّالثُ: هِجْرَةُ المَعَاصِي، ومِنْهَا قَوْلُ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - لفُدَيكٍ (٣):


(١) لعلَّه يقصدُ في اللُّغة؛ لأنَّه قال بعد ذلِكَ: "وهي في الشريعة ... ".
(٢) هَذَا حَدِيثٌ مَشْهُوْرٌ جَعَلَهُ البُخَارِي والدَّارمي تَرْجَمَةَ البَابِ.
(٣) هُوَ فُدَيكٌ الزُّبَيدِيُّ. وقيل: العُقَيلِيُّ. كَذَا قَال الحَافِظُ ابنُ حَجَرٍ، وَذَكَرَ طَرَفًا من أَخْبَارِهِ. وفي تَارِيخ البُخَارِيِّ: يعدُّ في أَهْلِ الحِجَازِ. قَال فُدَيكُ بنُ سُلَيمَان (أَنَا) الأوْزَاعِيُّ ... وَذَكَرَ حديثَ الهِجْرَةِ المَذْكُوْرَ هُنَا. تَاريخ البُخَارِي الكبير (٧/ ١٣٥)، والجرح والتَّعديل (٧/ ٨٩)، والإصابة (٥/ ٣٥٦).