للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لِقَطْعِهِ، وَمَعَانِيهِ غير تَابِعَةٍ لسَجْعَهُ، وَلَا يُفْسِدُهُ التَّعَسُّفُ، وَلَا يَنْقُصُ بِهَاءَهُ التَّكَلُّفُ. فَمَعْنَى قَوْلِهِ: "أَنْ يَكُوْنَ مَعَانِيهِ غَيرَ تَابِعَةٍ لِسَجْعِهِ" أَنَّ المُتكلِّفَ لِلْسَّجْعِ يَتكلَّفُ المَعَانِي مِنْ أَجْلِهِ فَتَأْتِيَ مَعَانِيهِ قَلِقَةً، وأَلْفَاظُهُ مُسْتكرَهَةً، والحَسَنُ الطَّبْعِ أَحْمَد عَرْضِهِ تَامَّة المَعَانِي، فَإِنْ اتَّفَقَ لَهُ السَّجْعُ أَتَى بِهِ، فَكَانَ زَائِدًا فِي حُسْنِ أَلْفَاظِهِ، وَإِنْ رَأَى فِيهِ كُلْفَةً تَرَكَهُ، أَلَا تَرَى قَوْلَهُ - صلى الله عليه وسلم - لِجَرِيرِ بنِ عَبْدِ الله (١) -حِينَ اسْتَوْصَفَهُ مَنْزِلَهُ: فَسَجَعَ لَهُ-: "إِذَا قُلْتَ فَأَوْجِزْ، وإِذَا بَلَغْتَ حَاجَتكَ فَلَا تَتكلَّفْ" فَيَجِيءُ سَجْعُهُ تَابِعًا لِمَعَانِيهِ. وَهكَذَا سَجْعُ الكُهَّانِ أَكْثرُهُ تَكَلُّفٌ.

- وَقَوْلُهُ: "مَا [لَا] شَرِبَ وَلَا أَكَلْ" (٢) أَي: مَا لَمْ يَشْرَبْ وَلَمْ يَأْكُلْ، وَكَذلِكَ إِلَى آخِرِ الحَدِيثِ، والعَرَبُ تَصِلُ "لَا" بالفِعْلِ المَاضِي فَيَنُوْب ذلِكَ مَنَابَ وَصْلِ "لَمْ" بالفِعْلِ المُسْتَقْبَلِ فَمِنْ ذلِكَ قَوْلُهُ تَعَالى (٣) {فَلَا صَدَّقَ وَلَا صَلَّي} أَي: لَمْ يُصَدِّقْ وَلَمْ يُصَلِّ، وَقَوْلُ أَبِي خِرَاشِ (٤):

* وَأَيُّ عَبْدٍ لَكَ لَا ألَمَّا *

أَي: لمْ يُلِمَّ.

- وَقَوْلُهُ: "حَتَّى يَزَايِلَ بَطْنَ أُمِّهِ". لَا يَجُوْزُ هَمْزُ "يُزَايِلَ" لأنَّ يَاءَهَا أَصْلِيَّةٌ،


(١) جَريرُ بن عبد الله البَجَلِيُّ، صحابيٌّ مَشهورٌ، توفي في خلافة مُعاوية سنة إحدى وقيل: سنة أربع وخمسين. أخباره في: الإصابة (١/ ٤٧٦)، والاستيعاب (١/ ٢٣٧).
(٢) "أكَلْ" ساكنة الآخر لموافقة السَّجع.
(٣) سورة القيامة.
(٤) شرح أشعار الهذليين (٣/ ١٣٤٩)، وينسب أيضًا إلى أميَّة بن أبي الصَّلت، ديوانه "السطلي" (٤٩١)، و"الحديثي" (٢٦٥).