للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

جَارِيَةٌ في رَمَضَانَ المَاضِي

تُقَطِّعُ الحَدِيثَ بالإيمَاضِ

أَي: كانَت تُقَطِّع. والبَصْريُّوْنَ لَا يُجِيزُوْن هَذَا وَيَذْهَبُوْنَ فِيهِ إِلَى أَنّهَا حَالٌ مَحْكِيَّةٌ تَقْدِيرُهُ: -عَلَى مَذْهَبِهِم- كأَنِّي الآنَ أَرَى نَفْسِي عِنْدَ الكَعْبَةِ، كَمَا تَقُوْلُ: كَأنَّي أَنْظُرُ إِلَى كَذَا، تُرِيدُ إِنَّكَ عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ في حَالِكَ الَّتِي تُخْبِرُ فِيهَا بِمَا رَأَيتَهُ، وأَمَّا قَوْلُ زُهَيرٍ (١):

أَرَاني إِذَا مَا بُتُّ بُتُّ عَلَى هَوًى ... وَأنِّي إِذَا أَصْبَحْتُ أَصْبَحْتُ غَادِيَا

فَهُوَ يُشْبِهُ هَذَا في أَنَّه أَخْبَرَ عَنْ حَالِهِ الَّتي هُوَ فِيهَا، وَلَكنْ يُخَالِفُهُ في أَنَّهُ لَا يَحْكِي حَالًا مَاضِيَةً، وَإِنَّمَا أَرَادَ أَنَّه فَهِمَ أَمْرَ الزَّمَانِ، وَجَعَلَ في مَرْتَبَةِ مَنْ يَرَاهُ بِعَينِ البَصِيرَةِ. وَهَذِهِ الرُّؤية الَّتِي ذَكَرَهَا كَانَتْ رُؤْيَةَ نَوْمٍ، وذلِكَ بَيِّنٌ في حَدِيثِ ابنِ عُمَرَ: "بَينَا أَنَا أَطُوْفُ بالكَعْبَةِ ... " الحديث.


= لَقَدْ أَتَى في رَمَضَان المَاضِي
جَارِيَةً في درْعِهَا الفَضْفَاضِ
تُقَطَّعُ الحَدِيثَ بالإيمَاضِ
أَبْيضُ مِنْ أَخْتِ بَنِي إِبَاضِ
يَا ليتَنِي مِثْلُكِ في البَيَاضِ
مثْلَ الغَزَال زِينَ بالخِفَاضِ
(١) شرح ديوانه (٢٨٥) من قصيدة جيدة - وشعره كلُّهُ جيِّدٌ -أولها:
أَلَا ليتَ شِعْرِي هَلْ يَرَى النَّاسُ مَا أَرَى ... مِنَ الدَّهْرِ أَوْ يَبْدُو لَهُمْ مَا بَدَا لِيَا
بَدَا لِيَ أَنَّ النَّاسَ تَفْنَى نُفُوْسُهُمْ ... وأَمْوَالُهُمْ وَلَا أَرَى الدَّهْرَ فَانِيَا
وأَنِّي مَتَى أَهْبِطْ مِنَ الأرْضِ تَلْعَةً ... أَجِدْ أَثَرًا قَبْلِي جَدِيدًا وَعَافيًا