للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

جاء في التفسير: إن من اتباع الهوى أن يحضر الخصمان بين يديك فتود أن يكون الحق للذي في قلبك محبة خاصة، وبهذا سلب سليمان بن داود ملكه. قال ابن عباس رضي الله عنهما: كان الذي أصاب سليمان بن داود عليهما السلام أن ناسا من أهل جرادة امرأته، وكانت من أكرم نسائه عليه، تحاكموا إليه مع غيرهم، فأحب أن يكون الحق لأهل جرادة فيقضي لهم، فعوقب بسبب ذلك حيث لم يكن هواه فيهم واحدا.

وروي عن عبد الرحمن بن سمرة رضي الله عنه قال:

قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا عبد الرحمن لا تسأل الإمارة، فإنك إن أعطيتها من غير مسألة أعنت عليها، وإن أعطيتها عن مسألة وكلت إليه. وقال معقل بن يسار رضي الله عنه، سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ما من عبد يسترعيه الله رعية، فلم يحطها بنصيحته إلا لم يجد رائحة الجنة.

وفي الحديث: «من ولي من أمور المسلمين شيئا ثم لم يحطهم بنصيحته كما يحوط أهل بيته، فليتبوأ مقعده من النار.

وروي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه بعث إلى عاصم يستعمله على الصدقة، فأبى، وقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إذا كان يوم القيامة يؤتى بالوالي فيقف على جسر جهنم، فيأمر الله تعالى الجسر فينتفض انتفاضة فيزول كل عضو منه عن مكانه، ثم يأمر الله تعالى بالعظام، فترجع إلى أماكنها، فإن كان لله مطيعا أخذ بيده، وأعطاه كفلين من رحمته، وإن كان لله عاصيا انخرق به الجسر فهوى به في نار جهنم مقدار سبعين خريفا، فقال عمر رضي الله عنه سمعت من النبي صلى الله عليه وسلم ما لم أسمع قال:

نعم. وكان سلمان وأبو ذر حاضرين، فقال سلمان: أي والله يا عمر ومع السبعين سبعون خريفا في واد يلتهب التهابا، فضرب عمر رضي الله عنه بيده على جبهته وقال:

إنا لله وإنا إليه راجعون: من يأخذها بما فيها، فقال سلمان من أرغم الله أنفه وألصق خده بالأرض.

وروى أبو داود في السنن قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إن أبي عريف على الماء، وإني أسألك أن تجعل لي العرافة من بعده، فقال النبي صلى الله عليه وسلم العرفاء في النار.

وروى أبو سعيد الخدري رضي الله عنه. قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن أشد الناس عذابا يوم القيامة الإمام الجائر. وقالت عائشة رضي الله عنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: يؤتى بالقاضي العدل يوم القيامة، فيلقى من شدة الحساب ما يود أنه لم يقض بين اثنين في تمرة.

وقال الحسن البصري: إن النبي صلى الله عليه وسلم دعا عبد الرحمن بن سمرة يستعمله، فقال: يا رسول الله خر لي، فقال: أقعد في بيتك. وقال أبو هريرة رضي الله عنه: ما من أمير يؤمر على عشرة إلا جيء به يوم القيامة مغلولا، أنجاه عمله أو أهلكه.

وقال طاوس لسليمان بن عبد الملك: هل تدري يا أمير المؤمنين من أشد الناس عذابا يوم القيامة؟ قال سليمان: قل. فقال طاوس: أشد الناس عذابا يوم القيامة رجل أشركه الله في ملكه فجار في حكمه، فاستلقى سليمان على سريره وهو يبكي، فما زال يبكي حتى قام عنه جلساؤه.

وقال ابن سيرين: جاء صبيان إلى أبي عبيدة السلماني يتخيرون إليه في ألواحهم، فلم ينظر إليها، وقال: هذا حكم، لا أتولى حكما أبدا. وقال أبو بكر بن أبي مريم:

حجّ قوم، فمات صاحب لهم بأرض فلاة، فلم يجدوا ماء، فأتاهم رجل فقالوا له: دلنا على الماء. فقال: احلفوا لي ثلاثا وثلاثين يمينا أنه لم يكن صرّافا ولا مكاسا «١» ولا عريفا، ويروى ولا عرافا، ولا بريدا، وأنا أدلكم على الماء، فحلفوا له ثلاثا وثلاثين يمينا كما تقدم، فحلفوا له، فأعانهم على غسله، ثم قالوا له: تقدم فصلّ عليه، فقال:

لا، حتى تحلفوا لي ثلاثا وثلاثين يمينا كما تقدم، فحلفوا له فصلى عليه، ثم التفتوا فلم يجدوا أحدا، فكانوا يرون أنه الخضر عليه السلام.

وقال أبو ذر رضي الله عنه، قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم:

يا أبا ذر إني أحب لك ما أحب لنفسي، وإني أراك ضعيفا، فلا تتأمرن على اثنين ولا تلينّ مال يتيم.

ومن غريب ما اتفق وعجيب ما سبق: ما حكي أن ملكا من ملوك الفرس يقال له أردشير، وكان ذا مملكة متسعة وجند كثير، وكان ذا بأس شديد، قد وصف له بنت ملك بحر الأردن بالجمال البارع، وأن هذه البنت بكر ذات خدر، فسيّر أردشير من يخطبها من أبيها، فامتنع من إجابته، ولم يرض بذلك، فعظم ذلك على أردشير، وأقسم بالأيمان المغلظة ليغزون الملك أبا البنت، وليقتلنه

<<  <   >  >>