فخير وإن شرا فشر.
وروى أصحاب التواريخ في كتبهم قالوا كان الناس إذا أصبحوا في زمان الحجاج يتساءلون إذا تلاقوا من قتل البارحة ومن صلب ومن جلد ومن قطع وما أشبه ذلك، وكان الوليد بن هشام صاحب ضياع واتخاذ مصانع فكان الناس يتساءلون في زمانه عن البنيان والمصانع والضياع وشق الأنهار وغرس الأشجار، ولما ولي سليمان بن عبد الملك وكان صاحب طعام ونكاح كان الناس يتحدثون ويتساءلون في الأطعمة الرفيعة ويتغالون في المناكح والسراري ويعمرون مجالستهم بذكر ذلك، ولما ولي عمر ابن عبد العزيز رضي الله عنه كان الناس يتساءلون كم تحفظ من القرآن وكم وردك كل ليلة وكم يحفظ فلان وكم يختم وكم يصوم من الشهر وما أشبه ذلك «١» .
فينبغي للإمام أن يكون على طريقة الصحابة والسلف رضي الله عنهم ويقتدي بهم في الأقوال والأفعال فمن خالف ذلك فهو لا محالة هالك وليس فوق السلطان العادل منزلة إلا نبي مرسل أو ملك مقرب.
وقد قيل إن مثله كمثل الرياح التي يرسلها الله تعالى بشرا بين يدي رحمته فيسوق بها السحاب ويجعلها لقاحا للثمرات وروحا للعباد.
ولو تتبعت ما جاء في العدل والإنصاف وفضل الإمام العادل لألّفت في ذلك مجموعا جامعا لهذا المعنى ولكن اقتصرت على ما ذكرته مخافة أن يمله الناظر ويسأمه السامع، وبالله التوفيق إلى أقوم طريق وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
الباب العشرون في الظلم وشؤمه وسوء عواقبه وذكر الظلمة وأحوالهم وغير ذلك
قال الله تعالى: أَلا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ
«٢» وقال تعالى: وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ
«٣» قيل: هذا تسلية للمظلوم ووعيد للظالم وقال تعالى: إِنَّا أَعْتَدْنا لِلظَّالِمِينَ ناراً أَحاطَ بِهِمْ سُرادِقُها
«٤» وقال تعالى:
وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ
«٥» .
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من مشى مع ظالم ليعينه وهو يعلم أنه ظالم خرج من الإسلام» . وقال أيضا صلى الله عليه وسلم: «رحم الله عبدا كان لأخيه قبله مظلمة في عرض أو مال فأتاه فتحلله منها قبل أن يأتي يوم القيامة وليس معه دينار ولا درهم» . وقال أيضا: صلى الله عليه وسلم «من اقتطع حق امرىء مسلم أوجب الله له النار وحرم عليه الجنة» ، فقال له رجل: يا رسول الله ولو كان شيئا يسيرا، قال: «ولو كان قضيبا من أراك» .
وعن حذيفة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
«أوحى الله تعالى إلي يا أخا المرسلين يا أخا المنذرين أنذر قومك فلا يدخلوا بيتا من بيوتي ولأحد من عبادي عند أحد منهم مظلمة، فإني ألعنه ما دام قائما يصلي بين يدي حتى يرد تلك الظلامة إلى أهلها فأكون سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويكون من أوليائي وأصفيائي ويكون جاري مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين في الجنة» .
وعن علي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: «إياك ودعوة المظلوم فإنما يسأل الله تعالى حقه» ، وعنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: «ما من عبد ظلم فشخص ببصره إلى السماء «٦» إلا قال الله عز وجل لبيك عبدي حقا لأنصرنك ولو بعد حين» ، وعنه أيضا أنه قال: ألا إن الظلم ثلاثة فظلم لا يغفر وظلم لا يترك وظلم مغفور لا يطلب، فأما الظلم الذي لا يغفر فالشرك بالله والعياذ بالله تعالى، قال الله تعالى إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ
«٧» وأما الظلم الذي لا يترك فظلم العباد بعضهم بعضا «٨» ، وأما الظلم المغفور الذي لا يطلب فظلم العبد نفسه.
ومر رجل برجل قد صلبه الحجاج فقال: يا رب إن