مشى مع أخيه في حاجة كان كصيام شهر واعتكافه، ومن مشى مع مظلوم يعينه ثبت الله قدمه يوم تزل الأقدام، ومن كف غضبه ستر الله عورته، وإن الخلق السيء يفسد العمل كما يفسد الخل العسل.
وعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من لقي أخاه المسلم بما يحب ليسره بذلك سره الله يوم القيامة، رواه الطبراني في الصغير بإسناد حسن، وروي عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من أدخل على أهل بيت من المسلمين سرورا لم يرض الله له سرورا دون الجنة» ، رواه الطبراني. وعن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جده رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «ما أدخل رجل على المؤمن سرورا إلا خلق الله من ذلك السرور ملكا يعبد الله تعالى ويوحده، فإذا صار العبد في قبره أتاه ذلك السرور، فيقول له: أما تعرفني، فيقول له: من أنت؟ فيقول: أنا السرور الذي أدخلتني على فلان. أنا اليوم أؤانس وحشتك وألقنك حجتك وأثبتك بالقول الثابت، وأشهد مشاهدك يوم القيامة وأشفع لك إلى ربك وأريك منزلك في الجنة» ، رواه ابن أبي الدنيا.
وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه يرفعه: «إذا أراد أحدكم الحاجة فليبكر لها يوم الخميس وليقرأ إذا خرج من منزله آخر سورة آل عمران، وآية الكرسي، وإِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ ١
«١» ، وأم الكتاب «٢» ، فإن فيها حوائج الدنيا والآخرة، وهو حديث مرفوع» .
ومن كلام الحكماء: إذا سألت كريما حاجة، فدعه يفكر فإنه لا يفكر إلا في خير وإذا سألت لئيما حاجة فعاجله، لئلا يشير عليه طبعه أن لا يفعل. وسأل رجل رجلا حاجة، ثم توانى عن طلبها، فقال له المسؤول:
أنمت عن حاجتك؟ فقال: ما نام عن حاجته من أسهرك لها، ولا عدل بها عن محجة النجح من قصدك بها، فعجب من فصاحته وقضى حاجته وأمر له بمال جزيل.
وقال مسلمة لنصيب: سلني، فقال: كفك بالعطية أبسط من لساني بالمسألة، فأمر له بألف دينار. وقال علي بن أبي طالب كرم الله وجهه: فوت الحاجة أهون من طلبها إلى غير أهلها، وعنه أيضا قال: لا تكثر على أخيك بالحوائج فإن العجل إذا أفرط في مص ثدي أمه نطحته.
وقال ذو الرياستين لثمامة بن أشرس: ما أدري ما أصنع بكثرة الطلاب؟ فقال: زل عن موضعك وعليّ أن لا يلقاك منهم أحد، فقال له: صدقت، وجلس لهم في قضاء حوائجهم.
وحدّث أبو جعفر محمد بن القاسم الكرخي قال:
عرضت على أبي الحسن علي بن محمد بن الفرات رقعة في حاجة لي، فقرأها ووضعها من يده، ولم يوقع فيها بشيء، فأخذتها وقمت وأنا أقول متمثلا من حيث يسمع هذين البيتين:
وإذا خطبت إلى كريم حاجة ... وأبى فلا تقعد عليه بحاجب
فلربّما منع الكريم وما به ... بخل ولكن سوء حظّ الطالب
فقال: وقد سمع ما قلت، ارجع يا أبا جعفر، بغير سوء حظ الطالب ولكن إذا سألتمونا الحاجة، فعاودونا، فإن القلوب بيد الله تعالى، فأخذ الرقعة ووقع فيها بما أردت.
وسأل إسحاق بن ربعي، إسحاق بن إبراهيم المصعبي أن يوصل له رقعة إلى المأمون، فقال لكاتبه: ضمها إلى رقعة فلان، فقال:
تأنّ لحاجتي واشدد عراها ... فقد أضحت بمنزلة الضياع
إذا شاركتها بلبان أخرى ... أضرّ بها مشاركة الرّضاع
وقال أبو دقاقة البصري:
أضحت حوائجنا إليك مناخة ... معقولة برحابك الوصّال «٣»
أطلق فديتك بالنجاح عقالها ... حتى تثور معا بغير عقال
وقال سلم الخاسر:
إذا أذن الله في حاجة ... أتاك النجاح على رسله
فلا تسأل الناس من فضلهم ... ولكن سل الله من فضله
ولله در القائل حيث قال:
أيّها المادح العباد ليعطى ... إن لله ما بأيدي العباد