فاسأل الله ما طلبت إليهم ... وارج فرض المقسّم الجوّاد
وعن عبد الله بن الحسن بن الحسين رضي الله تعالى عنهم قال: أتيت باب عمر بن عبد العزيز في حاجة، فقال: إذا كانت لك حاجة إليّ، فأرسل إليّ رسولا أو أكتب لي كتابا، فإني لأستحي من الله أن يراك ببابي.
وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال: والذي وسع سمعه الأصوات، ما من أحد أودع قلبا سرورا إلا خلق الله تعالى من ذلك السرور لطفا، فإذا نزلت به نائبة جرى إليها كالماء في انحداره حتى يطردها عنه كما تطرد غريبة الإبل، وقال لجابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنهما: يا جابر من كثرت نعم الله عليه كثرت حوائج الناس إليه، فإن قام بما يجب لله فيها عرّضها للدوام والبقاء، وإن لم يقم فيها بما يجب لله عرّضها للزوال.
نعوذ بالله من زوال النعمة ونسأل التوفيق والعصمة، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا دائما أبدا إلى يوم الدين والحمد لله رب العالمين.
الباب الثالث والعشرون في محاسن الأخلاق ومساويها
قال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ ٤
«١» .
فخص الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم من كريم الطباع ومحاسن الأخلاق، من الحياء والكرم والصفح وحسن العهد بما لم يؤته غيره، ثم ما أثنى الله تعالى عليه بشيء من فضائله بمثل ما أثنى عليه بحسن الخلق، فقال تعالى: وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ ٤
«٢» .
قال عائشة رضي الله عنها: كان خلقه القرآن، يغضب لغضبه ويرضى لرضاه، وكان الحسن رضي الله عنه إذا ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أكرم ولد آدم على الله عز وجل وأعظم الأنبياء عليهم الصلاة والسلام منزلة عند الله، أتي بمفاتيح الدنيا فاختار ما عند الله تعالى، وكان يأكل على الأرض ويجلس على الأرض ويقول: «إنما أنا عبد آكل كما يأكل العبد، وأجلس كما يجلس العبد» ، ولا يأكل متكئا ولا على خوان، وكان يأكل خبز الشعير غير منخول، وكان يأكل القثاء بالرطب ويقول: «برد هذا يطفىء حر هذا» ، وكان أحب الطعام إليه اللحم، ويقول:
«هذا يزيد في السمع، ولو سألت ربي أن يطعمنيه كل يوم لفعل» ، وكان يحب الدباء، ويقول: «يا عائشة إذا طبختم قدرا، فأكثروا فيه من الدباء، فإنها تشد قلب الحزين» ، وكان يقول: «إذا طبختم الدباء فأكثروا من مرقها» ، وكان يكتحل بالإثمد «٣» ولا يفارقه في سفره قارورة الدهن والكحل والمرآة والمشط والإبرة يخيط ثوبه بيده، وكان يضحك من غير قهقهة ويرى اللعب المباح ولا ينكره، وكان يسابق أهله؛ قالت عائشة رضي الله عنها سابقته، فسبقته، فلما كثر لحمي سابقته فسبقني فضرب بكتفي وقال: «هذه بتلك» ، وكان له عبيد وإماء لا يرتفع على أحد منهم في مأكل ولا مشرب ولا ملبس وهو أمي لا يقرأ ولا يكتب، نشأ في بلاد الجهل والصحارى يتيما لا أب له ولا أم، فعلمه الله تعالى جميع محاسن الأخلاق، وكان أفصح الناس منطقا وأحلاهم كلاما، وكان يقول: «أنا أفصح العرب» .
وقال أنس رضي الله عنه: والذي بعثه بالحق نبيا ما قال لي في شيء قط كرهه لم فعلته ولا في شيء لم أفعله لم لا فعلته ولا لامني أحد من أهله إلا قال دعوه إنما كان هذا بقضاء وقدر.
وقال بعض مشايخنا رحمهم الله تعالى: لا مانع من أن النبي صلى الله عليه وسلم إذا هضم نفسه وتواضع لا يمنع من المرتبة التي هي أعلى مرتبة من العبودية فالنبي صلى الله عليه وسلم أعطاه الله تعالى مرتبة الملك مع كونه عبدا له متواضعا، فحاز المرتبتين مرتبة العبودة ومرتبة الملكية، ومع ذلك كان يلبس المرقع والصوف ويرقع ثوبه ويخصف نعله ويركب الحمار بلا إكاف ويردف خلفه، ويأكل الخشن من الطعام وما شبع قط من خبز بر ثلاثة أيام متوالية حتى لقي الله تعالى. من دعاه لبّاه «٤» ومن صافحه لم يرفع يده حتى يكون هو الذي يرفعها، يعود المريض «٥» ويتبع الجنائز ويجالس الفقراء،