وحج أبو الأسود الدؤلي بامرأته وكانت شابة جميلة فعرض لها عمر بن أبي ربيعة، فغازلها، فأخبرت أبا الأسود، فأتاه فقال:
وإنّي لينهاني عن الجهل والخنا ... وعن شتم أقوام خلائق أربع «١»
حياء وإسلام وتقوى وأنّني ... كريم ومثلي من يضرّ وينفع
فشتّان ما بيني وبينك إنني ... على كلّ حال أستقيم وتضلع «٢»
وقال ربيعة الرقّي:
لشتان ما بين اليزيدين في الندى ... يزيد سليم والأعزّ بن حاتم
يزيد سليم سالم المال والفتى ... فتى الأزد للأموال غير مسالم «٣»
فهمّ الفتى الأزدي إتلاف ماله ... وهمّ الفتى القيسي جمع الدراهم
فلا يحسب القيسيّ أنّي هجوته ... ولكنني فضلت أهل المكارم
وقال عبيد الله بن عبد الله بن طاهر في أخيه الحسين:
يقول أنا الكبير فعظّموني ... ألا ثكلتك أمّك من كبير
إذا كان الصغير أعمّ نفعا ... وأجلد عند نائبة الأمور
ولم يأت الكبير بيوم خير ... فما فضل الكبير على الصغير
والله أعلم بالصواب، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
الباب التاسع والعشرون في الشرف والسؤدد وعلو الهمة
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من رزقه الله مالا فبذل معروفه وكف أذاه فذلك السيد.
وقيل لقيس بن عاصم: بم سدت قومك؟ قال: لم أخاصم أحدا إلا تركت للصلح موضعا. وقال سعيد بن العاص: ما شاتمت رجلا مذ كنت رجلا لأني لا أشاتم إلا أحد رجلين إما كريم، فأنا أحق أن أجلّه، وإمّا لئيم فأنا أولى أن أرفع نفسي عنه.
وقالوا: من نعت السيد أن يكون يملأ العين جمالا، والسمع مقالا. وقيل: قدم وفد من العرب على معاوية وفيهم الأحنف بن قيس، فقال الحاجب: إن أمير المؤمنين يعزم عليكم أن لا يتكلم منكم أحد إلا لنفسه، فلما وصلوا إليه قال الأحنف: لولا عزم أمير المؤمنين لأخبرته أن رادفة ردفت «٤» ونازلة نزلت «٥» ، ونائبة نابت، الكل بهم حاجة إلى المعروف من أمير المؤمنين، فقال له معاوية: حسبك يا أبا بحر، فقد كفيت الشاهد والغائب.
وقال رجل للأحنف: بم سدت قومك، وما أنت بأشرفهم بيتا، ولا أصبحهم وجها، ولا أحسنهم خلقا؟
فقال: بخلاف ما فيك، قال: وما ذاك؟ قال: تركي من أمرك ما لا يعنيني، كما عناك من أمري ما لا يعنيك.
وقيل: السيد من يكون للأولياء كالغيث الغادي «٦» ، وعلى الأعداء كالليث العادي.
وكان سبب ارتفاع عرابة الأوسي وسؤدده أنه قدم من سفر، فجمعه والشماخ بن ضرار المزني الطريق، فتحادثا، فقال له عرابة: ما الذي أقدمك المدينة يا شماخ؟
قال: قدمتها لأمتار «٧» منها، فملأ له عرابة رواحله برّا وتمرا وأتحفه بتحف غير ذلك، فأنشد يقول:
رأيت عرابة الأوسيّ يسمو ... إلى الخيرات منقطع القرين
إذا ما راية رفعت لمجد ... تلقاها عرابة باليمين
وأما علو الهمة فهو أصل الرياسة فممن علت همته وشرفت نفسه عمارة بن حمزة، قيل:
إنه دخل يوما على المنصور، وقعد في مجلسه، فقام رجل، وقال: مظلوم يا أمير المؤمنين، قال: من ظلمك؟