مقيدا، فلما ورد ذلك على سليمان أحضر ولده أيوب فقيده ودعا يزيد بن المهلب فقيده، ثم شد قيد هذا إلى قيد هذا بسلسلة وغلهما جميعا بغلين وأرسلهما إلى أخيه الوليد، وكتب إليه: أما بعد، يا أمير المؤمنين فقد وجهت إليك يزيد وابن أخيك أيوب بن سليمان، ولقد هممت أن أكون ثالثهما، فإن هممت يا أمير المؤمنين بقتل يزيد، فبالله عليك إبدأ بأيوب من قبله، ثم اجعل يزيد ثانيا واجعلني إذا شئت ثالثا والسلام.
فلما دخل يزيد بن المهلب وأيوب بن سليمان في سلسلة واحدة أطرق الوليد استحياء وقال: لقد أسأنا إلى أبي أيوب إذ بلغنا به هذا المبلغ، فأخذ يزيد ليتكلم ويحتج لنفسه فقال له الوليد: ما يحتاج إلى كلام فقد قبلنا عذرك وعلمنا ظلم الحجاج. ثم إنه أحضر حدادا وأزال عنهما الحديد وأحسن إليهما ووصل أيوب ابن أخيه بثلاثين ألف درهم ووصل يزيد بن المهلب بعشرين ألف درهم وردهما إلى سليمان، وكتب كتابا إلى الحجاج يقول له: لا سبيل لك على يزيد بن المهلب فإياك أن تعاودني فيه بعد اليوم.
فسار يزيد إلى سليمان بن عبد الملك وأقام عنده في أعلى المراتب وأرفع المنازل.
وحكي: أن رجلا من الشيعة كان يسعى في فساد الدولة فجعل المهدي لمن دل عليه أو أتى به مائة ألف درهم، فأخذه رجل من بغداد فأيس من نفسه فمر به معن بن زائدة فقال له: يا أبا الوليد أجرني أجارك الله.
فقال معن للرجل: مالك وماله؟ فقال: إن أمير المؤمنين طالبه قال: خل سبيله، قال: لا أفعل، فأمر معن غلمانه فأخذوه غصبا وأردفه بعضهم خلفه. ومضى الرجل فأخبر أمير المؤمنين المهدي بالقصة، فأرسل خلف معن فأحضره فلما دخل عليه قال له: يا معن أتجير علي، قال: نعم يا أمير المؤمنين قتلت في يوم واحد في طاعتكم خمسة آلاف رجل هذا مع أيام كثيرة تقدمت فيها طاعتي أفما تروني أهلا أن تجيروا إلي رجلا واحدا استجار بي، فاستحيا المهدي وأطرق طويلا ثم رفع رأسه وقال: قد أجرنا من أجرت يا أبا الوليد، قال: إن رأى أمير المؤمنين أن يصل من استجار بي فيكون قد أجاره وحباه، قال: قد أمرت له بخمسين ألف درهم. فقال معن: يا أمير المؤمنين ينبغي أن تكون صلات الخلفاء على قدر جنايات الرعية وإن ذنب الرجل عظيم فإن رأى أمير المؤمنين أن يجزل صلته فليفعل، قال: قد أمرت له بمائة ألف درهم، فرجع معن إلى منزله ودعا بالرجل ودفع له المال ووعظه وقال له: لا تتعرض لمساخط الخلفاء.
وكان جعفر بن أبي طالب يقول لأبيه: يا أبت إني لأستحي أن أطعم طعاما وجيراني لا يقدرون على مثله، فكان أبوه يقول إني لأرجو أن يكون فيك خلف من عبد المطلب.
وسقط الجراد قريبا من بيت بعض العرب فجاء أهل الحي فقالوا: نريد جارك فقال: أما إذ جعلتموه جاري فوالله لا تصلون إليه، وأجاره حتى طار فسمّي مجير الجراد، وقيل هو أبو حنبل.
والحكايات في معنى ذلك كثيرة والله سبحانه وتعالى أعلم وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
الباب الثلاثون في الخير والصلاح وذكر السادة الصحابة وذكر الأولياء والصالحين رضي الله تعالى عنهم أجمعين
اعلم.. أن أفضل الخلق بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي رضي الله عنهم أجمعين، وفضائلهم أكثر من أن تحصر وأشهر من أن تذكر، وإني والله أحبهم وأحب من يحبهم، وأسأل الله أن يميتني على محبة النبي محمد صلى الله عليه وسلم ومحبتهم وأن يحشرنا في زمرتهم وتحت ألويتهم إنه على ما يشاء قدير وبالإجابة جدير.
شعر:
إني أحب أبا حفص «١» وشيعته ... كما أحبّ عتيقا صاحب الغار «٢»
وقد رضيت عليا قدوة علما ... وما رضيت بقتل الشيخ في الدار «٣»
كلّ الصحابة ساداتي ومعتقدي ... فهل عليّ بهذا القول من عار